التفاسير

< >
عرض

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ
١
ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
٢
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
٣
أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
-المطففين

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ ويل } معناه: الثبور والحزن والشقاء الأدوم، وقد روي عن ابن مسعود وغيره أن وادياً في جهنم يسمى "ويلاً" ورفع { ويل } على الابتداء، ورفع على معنى ثبت لهم واستقر وما كان في حيز الدعاء والترقب فهو منصوب نحو قولهم: رعياً وسقياً، و "المطفف": الذي ينقص الناس حقوقهم، والتطفيف: النقصان أصله في الشيء الطفيف وهو النزر، والمطفف إنما يأخذ بالميزان شيئاً طفيفاً، وقال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين، وقال بعض العلماء: يدخل التطفيف في كل قول وعمل، ومنه قول عمر طففت، ومعناه: نقصت الأجر والعمل وكذا قال مالك رحمه الله: يقال لكل شيء وفاء وتطفيف فقد جاء بالنقيضين، وقد ذهب بعض الناس إلى أن التطفيف هو تجاوز الحد في وفاء ونقصان، والمعنى والقرائن بحسب قول قول تبين المراد وهذا عندي جد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل، و { اكتالوا على الناس } معناه: قبضوا منهم و { كالوهم } معناه: قبضوهم، يقال: كلت منك واكتلت عليك، ويقال: وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل، قال الفراء والأخفش.
وأنشد أبو زيد: [الكامل]

ولقد جنتك أكمؤاً وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ويقف على " كالوا" و "وزنوا" بمعنى: هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا. ورويت عن حمزة، فقوله: "هم" تأكيد للضمير، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي، وصدر الآية هو في المشترين، فذمهم بأنهم { يستوفون } ويشاحون في ذلك، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر، و { يخسرون } معدى بالهمزة يقال: خسر الرجل وأخسره غيره، والمفعول لـ { كالوهم } محذوف، ثم وقفهم تعالى على أمر القيامة وذكرهم بها وهذا مما يؤيد أنها نزلت بالمدينة في قوم من المؤمنين وأريد بها مع ذلك من غبر من الأمة، و { يظن } هنا بمعنى: يعلم ويتحقق، و "اليوم العظيم": يوم القيامة، و { يوم } ظرف عمل فيه فعل مقدر يبعثون ونحوه، وقال الفراء: هو بدل من { ليوم عظيم }، لكنه بني ويأبى ذلك البصريون، لأنه مضاف إلى معرب، وقام الناس فيه { لرب العالمين } يختلف الناس فيه بحسب منازلهم، فروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقام فيه خمسين ألف سنة" . وهذا بتقدير شدته، وقيل: ثلاثمائة سنة، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عمر: مائة سنة وقيل ثمانون سنة، وقال ابن مسعود أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون، وقيل غير هذا، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها: إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك، وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر، وروي عن بعض الناس: على قدر صلاة، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس، وهو أيضاً مختلف، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر: "أنه يلجم الكافر إلجاماً" ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق، وبعضهم إلى أسفل.