{ أفلح } في هذه الآية معناه: فاز ببغيته، { وتزكى } معناه: طهر نفسه ونماها إلى الخير. قال ابن
عباس: قال لا إله إلا الله فتطهر من الشرك، وقال الحسن: من كان عمله زاكياً، وقال أبو الأحوص: من
رضخ من ماله وزكاه، وقوله { وذكر اسم ربه } معناه: وحَّده وصلى له الصلوات التي فرضت عليه، وتنفل
أيضاً بما أمكنه من صلاة وبرّ، وقال أبو سعيد الخدري وابن عمر وابن المسيب: هذه الآية في صبيحة يوم
الفطر فتزكى، أدى زكاة الفطر، { وذكر اسم ربه } ، هو ذكر الله في طريق المصلى إلى أن يخرج الإمام،
والصلاة هي صلاة العيد، وقد روي هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة وكثير من
المتأولين: { تزكى } : أدى زكاة ماله، و "صلى" معناه صلى الخمس، ثم أخبر تعالى الناس أنهم يؤثرون
{ الحياة الدنيا }، فالكافر يؤثرها إيثار كفر يرى أن لا آخرة، والمؤمن يؤثرها إيثار معصية وغلبة نفس إلا من
عصم الله، وقرأ أبو عمرو وحده " يؤثرون" بالياء، وقال: يعني الأشقين، وهي قراءة ابن مسعود والحسن
وأبي رجاء والجحدري، وقرأ الباقون والناس: " تؤثرون" بالتاء على المخاطبة، وفي حرف أبي بن كعب
" بل أنتم تؤثرون" وسبب الإيثار حب العاجل والجهل ببقاء الآخرة، وقال عمر: ما في الدنيا في الآخرة إلا
كنفخة أرنب، وقوله تعالى: { إن هذا } قال الضحاك: أراد القرآن، وروي أن القرآن انتسخ من { الصحف
الأولى } وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الإشارة إلى معاني السورة، وقال ابن زيد: الإشارة إلى
هذين الخبرين "إفلاح من تزكى" وإيثار الناس للدنيا مع فضل الآخرة عليها، وهذا هو الأرجح لقرب
المشار إليه بهذا. وقوله تعالى: { لفي الصحف الأولى } أي لم ينسخ هذا قط في شرع من الشرائع فهو في
الأولى وفي الأخيرات، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" أي أنه مما جاءت به الأولى واستمر في الغي، وقرأ الجمهور
" الصحُف" مضمومة الحاء، وروى هارون عن أبي عمرو بسكون الحاء، وهي قراءة الأعمش، وقرأ أبو
رجاء: { إبراهيم } بغير الياء ولا ألف، وقرأ ابن الزبير" ابراهام " في كل القرآن، وكذلك أبو موسى
الأشعري، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة " إبراهِم " بكسر الهاء وبغير ياء في جميع القرآن وروي أن
{ صحف إبراهيم } نزلت في أول ليلة من رمضان، والتوراة في السادسة من رمضان والزبور في اثني عشرة
منه والإنجيل في ثمان عشرة منه والقرآن في أربعة عشرة.
نجز تفسير سورة { الأعلى } والحمدلله كثيراً.