التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
١٤
وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
١٦
وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٧
إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ
١٨
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ
١٩
-الأعلى

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ أفلح } في هذه الآية معناه: فاز ببغيته، { وتزكى } معناه: طهر نفسه ونماها إلى الخير. قال ابن عباس: قال لا إله إلا الله فتطهر من الشرك، وقال الحسن: من كان عمله زاكياً، وقال أبو الأحوص: من رضخ من ماله وزكاه، وقوله { وذكر اسم ربه } معناه: وحَّده وصلى له الصلوات التي فرضت عليه، وتنفل أيضاً بما أمكنه من صلاة وبرّ، وقال أبو سعيد الخدري وابن عمر وابن المسيب: هذه الآية في صبيحة يوم الفطر فتزكى، أدى زكاة الفطر، { وذكر اسم ربه } ، هو ذكر الله في طريق المصلى إلى أن يخرج الإمام، والصلاة هي صلاة العيد، وقد روي هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة وكثير من المتأولين: { تزكى } : أدى زكاة ماله، و "صلى" معناه صلى الخمس، ثم أخبر تعالى الناس أنهم يؤثرون { الحياة الدنيا }، فالكافر يؤثرها إيثار كفر يرى أن لا آخرة، والمؤمن يؤثرها إيثار معصية وغلبة نفس إلا من عصم الله، وقرأ أبو عمرو وحده " يؤثرون" بالياء، وقال: يعني الأشقين، وهي قراءة ابن مسعود والحسن وأبي رجاء والجحدري، وقرأ الباقون والناس: " تؤثرون" بالتاء على المخاطبة، وفي حرف أبي بن كعب " بل أنتم تؤثرون" وسبب الإيثار حب العاجل والجهل ببقاء الآخرة، وقال عمر: ما في الدنيا في الآخرة إلا كنفخة أرنب، وقوله تعالى: { إن هذا } قال الضحاك: أراد القرآن، وروي أن القرآن انتسخ من { الصحف الأولى } وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الإشارة إلى معاني السورة، وقال ابن زيد: الإشارة إلى هذين الخبرين "إفلاح من تزكى" وإيثار الناس للدنيا مع فضل الآخرة عليها، وهذا هو الأرجح لقرب المشار إليه بهذا. وقوله تعالى: { لفي الصحف الأولى } أي لم ينسخ هذا قط في شرع من الشرائع فهو في الأولى وفي الأخيرات، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" أي أنه مما جاءت به الأولى واستمر في الغي، وقرأ الجمهور " الصحُف" مضمومة الحاء، وروى هارون عن أبي عمرو بسكون الحاء، وهي قراءة الأعمش، وقرأ أبو رجاء: { إبراهيم } بغير الياء ولا ألف، وقرأ ابن الزبير" ابراهام " في كل القرآن، وكذلك أبو موسى الأشعري، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة " إبراهِم " بكسر الهاء وبغير ياء في جميع القرآن وروي أن { صحف إبراهيم } نزلت في أول ليلة من رمضان، والتوراة في السادسة من رمضان والزبور في اثني عشرة منه والإنجيل في ثمان عشرة منه والقرآن في أربعة عشرة.
نجز تفسير سورة { الأعلى } والحمدلله كثيراً.