التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها، وذهب الجمهور إلى أن شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه، وقال ابن عباس وجماعة: هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم، وقرأ أبو جعفر المنصور "ألم نشرحَ " بنصب الحاء على نحو قول الشاعر [طرفة]: [المنسرح]

أضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس

ومثله في نوادر أبي زيد: [الرجز]

من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر

كأنه قال: "ألم نشرحن" ثم أبدل من النون ألفاً ثم حذفها تخفيفاً، وهي قراءة مردودة، و" الوزر " الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثقل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيرته قبل المبعث إذ كان يرى سوء ما قريش فيه من عبادة الأصنام. وكان لم يتجه له من الله تعالى أمر واضح، فوضع الله تعالى عنه ذلك الثقل بنبوته وإرساله. وقال أبو عبيدة وغيره المعنى: خففنا عليك أثقال النبوة وأعناك على الناس، وقال قتادة وابن زيد والحسن وجمهور من المفسرين: الوزر هنا، الذنوب، وأصله الثقل، فشبهت الذنوب به، وهذه الآية نظير قوله تعالى: { { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [الفتح: 2] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه وأكله من ذبائحهم ونحو هذا، وقال الضحاك: وفي كتاب النقاش حضوره مع قومه المشاهد التي لا يحبها الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: وهذه كلها ضمها المنشأ كشهوده حرب الفجار ينبل على أعماله وقلبه، وفي ذلك كله منيب إلى الصواب، وأما عبادة الأصنام فلم يلتبس بها قط، وقرأ أنس بن مالك "وحططنا عنك وزرك"، وفي حرف ابن مسعود "وحللنا عنك وقرك". وفي حرف أبي "وحططنا عنك وقرك"، وذكر أبو عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب جميعها، وقال المحاسبي: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفورة لهمهم بها وتحسرهم عليها، و { أنقض } معناه جعله نقضاً، أي هزيلاً معيباً من الثقل، وقيل معناه أسمع له نقيضاً وهو الصوت، وهو مثل نقيض السفن وكل ما حملته ثقلاً فإنه ينتقض تحته، وقال عباس بن مرداس: [الطويل]

وأنقض ظهري ما تطوقت مضهم وكنت عليهم مشفقاً متحننا

وقوله تعالى: { ورفعنا لك ذكرك } معناه، نوهنا باسمك، وذهبنا به كل مذهب في الأرض، وهذا ورسول الله بمكة، وقال أبو سعيد الخدري والحسن ومجاهد وقتادة: معنى قوله { ورفعنا لك ذكرك } أي قرنا اسمك باسمنا في الأذان والخطب. وروي في هذا الحديث " إن الله تعالى قال: إذا ذكرت معي" . وهذا متجه إلى أن الآية نزلت بمكة قديماً. والأذان شرع بالمدينة, ورفع الذكر نعمة على الرسول، وكذلك هو جميل حسن للقائمين بأمور الناس، وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة، وقد جعل الله تعالى النعم أقساماً بحسب ما يصلح لشخص شخص، وفي الحديث: إن الله تعالى يوقف عبداً يوم القيامة فيقول له: ألم افعل بك كذا وكذا؟ يعدد عليه نعمه، ويقول في جملتها: ألم أحمل ذكرك في الناس"، والمعنى في هذا التعديد الذي على النبي صلى الله عليه وسلم أي يا محمد؛ قد فعلنا بك جميع هذا فلا تكترث بأذى قريش، فإن الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم وينصرك عليهم ثم قوى رجاءه بقوله: { فإن مع العسر يسراً }، أي ما تراه من الأذى فرج يأتي، وكرر تعالى ذلك مبالغة وتثبيتاً للخير، فقال بعض الناس: المعنى { إن مع العسر يسراً } في الدنيا، وإن مع العسر يسراً في الآخرة، وذهب كثير من العلماء إلى أن مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث العسر معروف للعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني، وقد روي في هذا التأويل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يغلب عسر يسرين" . وأما قول عمر به فنص في الموطأ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجراح. وقرأ عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر: "العُسر و اليُسر " بضمتين، وقرأ ابن مسعود { فإن مع العسر يسراً } واحداً غير مكرر، ثم أمر تعالى نبيه إذا فرغ من شغل من أشغال النبوة والعبادة أن ينصب في آخر، والنصب التعب، فالمعنى أن يرأب على ما أمر به ولا يفتر، وقال ابن عباس: المعنى { فإذا فرغت } من فرضك { فانصب } في النفل عبادة لربك، وقال ابن مسعود: { فانصب } في قيام الليل، وعن مجاهد، { فإذا فرغت } من شغل دنياك { فانصب } في عبادة ربك، وقيل المعنى إذا فرغت من الركعات فاجلس في التشهد وانصب في الدعاء، وقال ابن عباس وقتادة: معنى الكلام { فإذا فرغت } من العبادة { فانصب } في الدعاء. وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى { فإذا فرغت } من الجهاد { فانصب } في العبادة، ويعترض هذا التأويل بأن الجهاد فرض بالمدينة، وقرأ أبو السمال "فرِغت" بكسر الراء وفي لغة، وقرأ قوم "فانصبَّ" بشد الباء وفتحها، ومعناه إذا فرغت من الجهاد "فانصب" إلى المدينة، ذكرها النقاش منبهاً على أنها خطأ، وقرأ آخرون من الإمامية " فانصِب " بكسر الصاد بمعنى إذا فرغت من أمر النبوة " فانصِب" خليفة، وهي قراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم، ومر شريح على رجلين يصطرعان، وقال ليس بهذا أمر الفراغ تلا هذه الآية. وقوله تعالى: { وإلى ربك فارغب } أمر بالتوكل على الله تعالى وصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه، وقرأ ابن أبي عبلة " فرَغِّب" بفتح الراء وشد الغين مكسورة.
نجز تفسيرها والحمد لله على كل حال.