قوله تعالى: { هو الذي يسيِّركم } أي: الله الذي هو أسرع مكراً، هو الذي يسيِّركم { في البرِّ } على الدواب، وفي البحر على السفن، فلو شاء انتقم منكم في البر أو في البحر. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر: «ينشركم» بالنون والشين من النشر، وهو في المعنى مثل قوله:
{ { وبثَّ منهما رجالاً كثيراً } [النساء: 2]. والفلك: السفن. قال الفراء: الفلك تذكّر وتؤنث، وتكون واحدة وتكون جمعاً، قال تعالى هاهنا: { جاءتها } فأنَّثَ، وقال في [يس: 41] { في الفلك المشحون } } فذكّر. قوله تعالى: { وجرين بهم } عاد بعد المخاطبة لهم إِلى الإِخبار عنهم. قال الزجاج: كل من أقام الغائب مقام مَن يخاطبه جاز أن يردَّه إِلى الغائب، قال الشاعر:
شَطَّتْ مَزارُ العاشقين فأصبحتْ عَسِراً علي طلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ
قوله تعالى: { بريح طيبة } أي: ليِّنةٍ. { وفرحوا بها } للينها. { جاءتها } يعني الفلك. قال الفراء: وإِن شئتَ جعلتَها للريح، كأنك قلت: جاءت الريحَ الطيبةَ ريحٌ عاصف، والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد عصفت الريح وأعصفت، والألف لغة لبني أسد. قال ابن عباس: الريح العاصف: الشديدة. قال الزجاج: يقال: عصفت الريح، فهي عاصف وعاصفة، وأعصفت، فهي معصف ومعصفة. { وجاءهم الموج من كل مكان } أي: من كل أمكنة الموج. قوله تعالى: { وظنوا } فيه قولان: أحدهما: أنه بمعنى اليقين. والثاني: أنه التوهُّم. وفي قوله: { أحيط بهم } قولان:
أحدهما: دَنوا من الهلكة. قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن العدوَّ إِذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة. وقال الزجاج: يقال لكل من وقع في بلاء: قد أحيط بفلان، أي: أحاط به البلاء.
والثاني: أحاطت بهم الملائكة، ذكره الزجاج.
قوله تعالى: { دَعَوُا اللهَ مخلصين له الدِّين } دون أوثانهم. قال ابن عباس: تركوا الشرك، وأخلصوا لله الربوبية، وقالوا: { لئن أنجيتنا من هذه } الريح العاصف { لنكونن من الشاكرين } أي: الموحِّدين.
قوله تعالى: { يبغون في الأرض } البغي: الترامي في الفساد. قال الأصمعي: يقال: بغى الجرح: إِذا ترامى إِلى فساد. قال ابن عباس: يبغون في الأرض بالدعاء إِلى عبادة غير الله والعمل بالمعاصي والفساد.
{ يا أيها الناس } يعني أهل مكة. { إِنما بغيكم على أنفسكم } أي: جناية مظالمكم بينكم على أنفسكم. وقال الزجاج: عملكم بالظلم عليكم يرجع.
قوله تعالى: { متاع الحياة الدنيا } قرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وحفص، وأبان عن عاصم: «متاعَ الحياة الدنيا» بنصب المتاع. قال الزجاج: مَن رفع المتاع، فالمعنى أن ما تنالونه بهذا البغي إِنما تنتفعون به في الدنيا، ومن نصب المتاع، فعلى المصدر. فالمعنى: تمتَّعون متاع الحياة الدنيا. وقرأ أبو المتوكل، واليزيدي في اختياره، وهارون العتكي عن عاصم: «متاعِ الحياة» بكسر العين. قال ابن عباس: { متاع الحياة الدنيا } أي: منفعة في الدنيا.