التفاسير

< >
عرض

ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
١
ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ
٢
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
٣
كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ
٤
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ
٥
نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ
٦
ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ
٧
إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ
٨
فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ
٩
-الهمزة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ويل لكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } اختلفوا في الهُمَزَة واللُّمَزَة هل هما بمعنى واحد، أم مختلفان؟ على قولين.

أحدهما: أنهما مختلفان. ثم فيهما سبعة أقوال.

أحدها: أن الهُمَزَة: المُغْتَاب، واللُّمَزَة: العيَّاب، قاله ابن عباس.

والثاني: أن الهُمَزَة: الذي يهمز الإنسان في وجهه. واللُّمَزَة: يَِلْمِزُه إذا أدبر عنه، قاله الحسن، وعطاء، وأبو العالية.

والثالث: أن الهُمَزَة: الطعَّان في الناس، واللُّمَزَة: الطعَّان في أنساب الناس، قاله مجاهد.

والرابع: أن الهُمَزَة: بالعين، واللُّمَزَة: باللسان، قاله قتادة.

والخامس: أن الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد.

والسادس: أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري.

والسابع: أن الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة: الطاعن على الإنسان في وجهه، قاله مقاتل.

والقول الثاني: أن الهُمَزَة: العَيَّاب الطعان، واللُّمَزَة مثله. وأصل الهمز واللمز: الدفع، قاله ابن قتيبة، وكذلك قال الزجاج: الهُمَزَة اللُّمَزَة: الذي يغتاب الناس ويَغُضُّهم. قال الشاعر:

إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني وإن تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ

قوله تعالى: { الذي جمع مالاً } قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وروح «جَمَّع» بالتشديد. والباقون بالتخفيف.

قوله تعالى: { وَعَدَّده } قرأ الجمهور بتشديد الدال. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وابن يعمر بتخفيفها.

وللمفسرين في معنى الكلام قولان.

أحدهما: أحصى عَدَدَه، قاله السدي.

والثاني: أَعَدَّه لما يكفيه في السِّنين، قاله عكرمة. قال الزجاج: من قرأ «عدَّده» بالتشديد، فمعناه: عدَّده للدهور. ومن قرأ «عَدَدَه» بالتخفيف، فمعناه: جمع مالاً وَعَدَداً. أي: وقوماً اتخذهم أنصاراً.

قوله تعالى: { يحسب أنَّ ماله أخلده } أخلده بمعنى يخلده، والمعنى: يظن ماله مانعاً له من الموت، فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت { كلا } أي: لا يخلده ماله ولا يبقى له { ليُنْبَذَنَّ } أي: ليُطْرَحَنَّ { في الحطمة } وهو اسم من أسماء جهنم. سميت بذلك لأنها تحطم ما يُلقى فيها، أي: تكسره، فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم. ويقال للرجل الأكول: إنه لَحُطَمة. وقرأ أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبد الرحمن، والحسن، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، «لينبذانِّ» بألف ممدودة، وبكسر النون، وتشديدها، أي: هو وماله.

قوله تعالى: { التي تَطَّلع على الأفئدة } أي: تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها، قال الفراء: يبلغ ألمها الأفئدةَ. والاطِّلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد، والعرب تقول: متى طلعَت أرضنا؟ أي: بلغتَ. وقال ابن قتيبة: تَطَّلع على الأفئدة، أي: توفي عليها وتشرف. وخص الأفئدة، لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون. وقد ذكرنا تفسير «المؤصدة» في سورة [البلد: 20].

قوله تعالى: { في عَمَدٍ } قرأ حمزة، وخلف، والكسائي، وعاصم إلا حفصاً بضم العين، وإسكان الميم. قال المفسرون: وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار. و «في» بمعنى الباء. والمعنى: مطبَقة بعُمُدٍ. قال قتادة: وكذلك هو في قراءة عبد الله. وقال مقاتل: أُطبقت الأبواب عليهم، ثم شُدَّت بأوتادٍ من حديد، حتى يرجع عليهم غَمُّها وحَرُّها. و «ممدَّدة» صفة العُمُد، أي: أنها ممدودة مطوّلة، وهي أرسخ من القصيرة. وقال قتادة: هي عُمُدٌ يعذَّبون بها في النار. وقال أبو صالح: «في عَمَدٍ مُمَدَّدة» قال: القيود الطوال.