التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

زاد المسير في علم التفسير

وفيها قولان.

أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.

والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن" . وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنها تعدل ثلث القرآن" .

وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة، قاله أُبَيّ بن كعب.

والثاني: أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله عز وجل. قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.

والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا: من أي جنس هو، وممن ورث الدنيا، ولمن يورِّثها؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة، والضحاك. قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «أحدٌ اللهُ» وقرأ أبو عمرو «أحدُ اللهُ» بضم الدال، ووصلها باسم الله. قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و «أحد» مرفوع على معنى: هو أحد، فالمعنى: هو الله، وهو أحد. وقرئت «أحدٌ اللهُ الصمد» بتنوين أحد. وقرئت «أحدُ الله» بترك التنوين، وقرئت بإسكان الدال «أحدْ اللهُ»، وأجودها الرفع بإثبات التنوين، وكُسِرَ التنوين لسكونه وسكون اللام في «الله»، ومن حذف التنوين، فلالتقاء الساكنين أيضاً، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ «الله الصمد» وهو أردؤها.

فأما «الأحد» فقال ابن عباس، وأبو عبيدة: هو الواحد. وفرَّق قوم بينهما. وقال أبو سليمان الخطابي: [الواحد]: هو المنفرد بالذات، فلا يضاهيه أحد.

والأحد: هو المنفرد بالمعنى، فلا يشاركه فيه أحد. وأصل «الأحد» عند النحويين: الوحد، ثم أبدلوا من الواو الهمزة.

وفي «الصمد» أربعة أقوال.

أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤْدُدِه. قال أبو عبيدة: هو السيد الذي ليس فوقه. أحد والعرب تسمي أشرافها: الصَّمد. قال الأسدي:

لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ

وقال الزجاج: هو الذي ينتهي إليه السُّؤدُد، فقد صمد له كل شيء قصد قصده. وتأويل صمود كل شيء له: أن في كل شيء أثر صُنْعه. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم.

والثاني: أنه الذي لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي. وقال ابن قتيبة: فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء، والمصمت من هذا.

والثالث: أنه الدائم.

والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما الخطابي وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد. يقال: اصمد صمد فلان، أي اقصد قصده. فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج.

قوله تعالى: { لم يلد } قال مقاتل: لم يلد فيورَّث { ولم يولد } فيشارَك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بناتُ الرحمن. وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرَّأ نفسه من ذلك.

قوله تعالى: { ولم يكن له كُفُواً أحد } قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز. ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واواً. وقرأ حمزة بسكون الفاء. والكفء: المثل المكافئ. وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كُفُوَاً، فقدَّم وأخرَّ لتتفق رؤوس الآيات.