قوله تعالى: {فلما جهزهم بجهازهم} قال المفسرون: أوفى لهم الكيل، وحمَّل لـ «بنيامين» بعيراً باسمه كما حمَّل لهم، وجعل السقاية في رحل أخيه، وهي الصواع، فهما اسمان واقعان على شيء واحد، كالبُرِّ والحنطة، والمائدة والخُوان. وقال بعضهم: الاسم الحقيقي: الصواع، والسقاية وصف، كما يقال: كوز، وإِناء، فالاسم الخاص: الكوز. قال المفسرون: جعل يوسف ذلك الصاع مكيالاً لئلا يُكال بغيره. وقيل: كال لإِخوته بذلك، إِكراماً لهم. قالوا: ولما ارتحل إِخوة يوسف وأمعنوا، أرسل الطلب في أثرهم، فأُدركوا وحبسوا، {ثم أذَّن مؤذِّن} قال الزجاج: أعلم مُعْلم، يقال: آذنته بالشيء، فهو مؤذن به، أي: أعلمته، وآذنت: أكثرت الإِعلام بالشيء، يعني: أنه إِعلام بعد إِعلام. {أيتها العير} يريد: أهل العير، فأنث لأنه جعلها للعير. قال الفراء: لا يقال: عير، إِلا لأصحاب الإِبل. وقال أبو عبيدة: العير: الإِبل المرحولة المركوبة. وقال ابن قتيبة: العير: القوم على الإِبل.
فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يُسرِّق من لم يسرق؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أن المعنى: إِنكم لسارقون يوسف حين قطعتموه عن أبيه وطرحتموه في الجب، قاله الزجاج.
والثاني: أن المنادي نادى وهو لا يعلم أن يوسف أمر بوضع السقاية في رحل أخيه، فكان غير كاذب في قوله، قاله ابن جرير.
والثالث: أن المنادي نادى بالتسريق لهم بغير أمر يوسف.
والرابع: أن المعنى: إِنكم لسارقون فيما يظهر لمن لم يعلم حقيقة أخباركم، كقوله:
{ ذق إِنك أنت العزيز الكريم } [الدخان 49] أي: عند نفسك، لا عندنا، وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: "كذب إِبراهيم ثلاث كَذَبات" أي: قال قولاً يشبه الكذب، وليس به. قوله تعالى: {قالوا} يعني: إِخوة يوسف {وأقبوا عليهم} فيه قولان.
أحدهما: على المؤذن وأصحابه.
والثاني: أقبل المنادي ومن معه على إِخوة يوسف بالدعوى. {ماذا تفقدون} مالذي ضلَّ عنكم؟ {قالوا نفقد صواع الملك} قال الزجاج: الصواع هو الصاع بعينه، وهو يذكّر ويؤنّث، وكذلك الصاع يذكّر ويؤنّث. وقد قرىء: «صياع» بياء، وقرىء: «صَوْغ» بغين معجمة، وقرىء: «صَوع» بعين غير معجمة مع فتح الصاد، وضمها، وقرأ أبو هريرة: «صاع الملك» وكل هذه لغات ترجع إِلى معنى واحد، إِلا أن الصوغ، بالغين المعجمة، مصدر صغت، وُصف الإِناء به، لأنه كان مصوغاً من ذهب.
واختلفوا في جنسه على خمسة أقوال:
أحدها: أنه كان قدحاً من زبرجد.
والثاني: أنه كان من نحاس، رويا عن ابن عباس.
والثالث: أنه كان شربة من فضة مرصَّعة بالجوهر، قاله عكرمة.
والرابع: كان كأساً من ذهب، قاله ابن زيد.
والخامس: كان من مِسٍّ، حكاه الزجاج.
وفي صفته قولان:
أحدهما: أنه كان مستطيلاً يشبه المكوك. والثاني: أنه كان يشبه الطاس.
قوله تعالى: {ولمن جاء به} يعني الصواع {حمل بعير} من الطعام {وأنا به زعيم} أي: كفيل لمن ردَّه بالحِمل، يقوله المؤذِّن.