التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
٩٤
-يوسف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولما فصلت العير } أي: خرجت من مصر متوجهة إِلى كنعان. وكان الذي حمل القميص يهوذا. قال السدي: قال يهوذا ليوسف: أنا الذي حملت القميص إِلى يعقوب بدم كذب فأحزنتُه، وأنا الآن أحمل قميصك لأسرَّه، فحمله، قال ابن عباس: فخرج حافياً حاسراً يعدو، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها.

قوله تعالى: { قال لهم أبوهم } يعني يعقوب لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده { إِني لأجد ريح يوسف }. ومعنى أجد: أشم، قال الشاعر:

وَلَيْسَ صَرِيْرُ النَّعْشِ مَاتَسْمَعُونَه وَلَكِنَّها أَصْلاَبُ قَوْمٍ تَقَصَّف
وَلَيْسَ فَتِيقُ المِسْكِ مَاتَجِدُونَه وَلَكِنَّه ذَاكَ الثَّنَاءُ المُخلَّفُ

فان قيل: كيف وجد يعقوب ريحه وهو بمصر، ولم يجد ريحه من الجب وبعد خروجه منه، والمسافة هناك أقرب؟

فعنه جوابان. أحدهما: أن الله تعالى أخفى أمر يوسف على يعقوب في بداية الأمر لتقع البلية التي يتكامل بها الأجر، وأوجده ريحه من المكان النازح عند تقضِّي البلاء ومجيء الفرج.

والثاني: أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلَّقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه. فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص. قال مجاهد: هبت ريح فضربت القميص، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إِلا ما كان من ذلك القميص، فمن ثم قال: { إِني لأجد ريح يوسف }. وقيل: إِن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها، فلذلك يستروح كل محزون إِلى ريح الصبا، ويجد المكروبون لها رَوْحاً، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق، قال أبو صخر الهذلي:

إِذا قُلْتُ هَذَا حِينَ أَسْلُو يَهِيْجُني نَسِيْمُ الصَّبا مِنْ حَيْثُ يطَّلِعُ الفَجْرُ

قال ابن عباس: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخاً.

قوله تعالى: { لولا أن تفنِّدونِ } فيه خمسة أقوال.

أحدها: تُجهِّلونِ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.

والثاني: تسفِّهونِ، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة، ومجاهد في رواية. وقال في رواية أخرى: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك.

والثالث: تكذِّبونِ، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك.

والرابع: تهرِّمونِ، قاله الحسن، ومجاهد في رواية. قال ابن فارس: الفَنَد: إِنكار العقل من هرم.

والخامس: تعجِّزونِ، قاله ابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: تسفِّهون وتعجِّزون وتلومون، وأنشد:

يَاصَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرٍ بِمَرْدُودِ

قال ابن جرير: وأصل التفنيد: الإِفساد، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها، وسمعت الشيخ أبا محمد إبن الخشاب يقول: قوله: «لولا أن تفنِّدون» فيه إِضمار، تقديره: لأخبرتكم أنه حيّ.