التفاسير

< >
عرض

وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
٢٢
وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ
٢٣
-الحجر

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وأرسلنا الرياح لواقح } وقرأ حمزة؛ وخلف: «الريح». وكان أبو عبيدة يذهب إِلى أن «لواقح» بمعنى مَلاقح، فسقطت الميم منه، قال الشاعر:

لِيُبْكَ يَزِيدُ بائسٌ لِضَرَاعَةٍ وَأَشْعَثُ مِمَّنْ طَوَّحتْهُ الطَّوَائِحُ

أراد: المَطاوح، فحذف الميم، فمعنى الآية عنده: وأرسلنا الرياح مُلقِحة، فيكون هاهنا فاعلٌ بمعنى مفْعِل، كما أتى فاعل بمعنى مفعول، كقوله: { ماءٍ دافقٍ } [الطارق 6] أي: مدفوق، و { { عيشة راضية } [الحاقة 21 والقارعة 7] أي: مَرضيَّة وكقولهم: ليل نائم، أي: مَنُوم فيه، ويقولون: أبقل النبت، فهو باقل، أي: مُبقِل. قال ابن قتيبة: يريد أبو عبيدة أنها تُلْقِح الشجر، وتُلْقِح السحاب كأنها تُنتجه. ولست أدري مااضطره إِلى هذا التفسير بهذا الاستكراه وهو يجد العرب تسمي الرياحَ لواقحَ، والريحَ لاقحاً، قال الطِّرِمَّاح، وذكر بُرْداً مَدَّه على أصحابه في الشمس يستظلُّون به:

قَلِقٌ لأفنان الريا ح لِلاَقحٍ منها وحائل

فاللاقح: الجنوب، والحائل: الشمال، ويسمون الشمال أيضاً: عقيماً، والعقيم: التي لا تحمل، كما سمَّوا الجنوب لاقحاً، قال كثيِّر:

ومرَّ بسفساف التراب عقيمها

يعني: الشمال. وإِنما جعلوا الريح لاقحاً، أي: حاملاً، لأنها تحمل السحاب وتقلِّبه وتصرِّفه، ثم تحلُّه فينزل، فهي على هذا حامل، ويدل على هذا قوله: { حتى إِذا أقلَّت سحاباً } [الأعراف:57] أي: حملت. قال ابن الأنباري: شبّه ما تحمله الريح من الماء وغيره، بالولد التي تشتمل عليه الناقة، وكذلك يقولون: حرب لاقح، لِما تشتمل عليه من الشر، فعلى قول أبي عبيدة، يكون معنى «لواقح»: أنها مُلقحة لغيرها، وعلى قول ابن قتيبة: أنها لاقحة نفسها، وأكثر الأحاديث تدل على القول الأول. قال عبد الله ابن مسعود: يبعث الله الرياح لتلقح السحاب، فتحمل الماء، فتمجُّه ثم تَمريه، فيدرُّ كما تدرُّ اللقحة. وقال الضحاك: يبعث الله الرياح على السحاب فتُلقِحه فيمتلىء ماءً. قال النخعي: تُلْقِح السحاب ولا تُلْقِح الشجر. وقال الحسن في آخرين: تُلْقح السحاب والشجر، يعنون أنها تُلْقح السحاب حتى يُمطر والشجر حتى يُثمر.

قوله تعالى: { فأنزلنا من السماء } يعني السحاب { ماءً } يعني المطر { فأسقيناكموه } أي: جعلناه سُقْيالكم. قال الفراء: العرب مجتمعون على أن يقولوا: سقيت الرجل، فأنا أسقيه: إِذا سقيته لِشَفَتِه، فإذا أجرَوا للرجل نهراً قالوا: أسقيته وسقيته، وكذلك السُّقيا من الغيث، قالوا فيها: سقيت وأسقيت. وقال أبو عبيدة: كل ما كان من السماء، ففيه لغتان: أسقاه الله، وسقاه الله، قال لبيد:

سَقَى قَوْمي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى نُمَيْراً والقَبَائِلَ مِنْ هِلاَلِ

فجاء باللغتين. وتقول: سقيت الرجل ماءً وشراباً من لبن وغيره، وليس فيه إِلا لغة واحدة بغير ألِف، إِذا كان في الشَّفه؛ وإِذا جعلت له شِرْباً، فهو: أسقيته، وأسقيت أرضه، وإِبله، ولا يكون غير هذا، وكذلك إِذا استسقيت له، كقول ذي الرمة:

وَقَفْتُ عَلَى رَسْمٍ لِمَيَّةَ نَاقَتِي فَما زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وأُخَاطِبُهْ
وأُسْقِيه حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلاَعِبُهْ

فإذا وهبت له إِهاباً ليجعله سقاءً، فقد أسقيته إِياه.

قوله تعالى: { وما أنتم له } يعني: الماء المُنزَل { بخازنين } وفيه قولان.

أحدهما: بحافظين، أي: ليست خزائنه بأيديكم، قاله مقاتل.

والثاني: بمانعين، قاله سفيان الثوري.

قوله تعالى: { ونحن الوارثون } يعني: أنه الباقي بعد فناء الخلق.