التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٥
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
٦
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
٧
-النحل

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { والأنعام خلقها لكم } الأنعام: الإِبل، والبقر، والغنم.

قوله تعالى: { لكم فيها دفءٌ } فيه قولان:

أحدهما: أنه ما استدفىء به من أوبارها تتخذ ثياباً، وأخبية، وغير ذلك. روى العوفي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالدفء: اللباس، وإِلى هذا المعنى ذهب الأكثرون.

والثاني: أنه نسلها. روى عكرمة عن ابن عباس: { فيها دفءٌ } قال: الدفء: نسل كل دابة، وذكر ابن السائب قال: يقال: الدفءُ أولادها، ومن لا يحمل من الصغار، وحكى ابن فارس اللغويّ عن الأمويّ، قال: الدفء عند العرب: نتاج الإِبل وألبانها.

قوله تعالى: { ومنافع } أي: سوى الدفء من الجلود، والألبان، والنسل، والركوب، والعمل عليها، إِلى غير ذلك، { ومنها تأكلون } يعني: من لحوم الأنعام.

قوله تعالى: { ولكم فيها جَمال } أي: زينة، { حين تُريحون } أي: حين تردُّونها إِلى مراحها، وهو المكان الذي تأوي إِليه، فترجع عِظَامَ الضُّرُوعِ والأَسْنِمَة، فيقال: هذا مال فلان، { وحين تسرحون }: ترسلونها بالغداة إِلى مراعيها.

فإن قيل: لم قدَّم الرَّواح وهو مؤخَّر؟

فالجواب: أنها في حال الرواح تكون أجمل؛ لأنها قد رعت، وامتلأت ضروعها، وامتدّت أسنمتها.

قوله تعالى: { وتحمل أثقالكم } الإِشارة بهذا إِلى ما يطيق الحمل منها، والأثقال: جمع ثقل، وهو متاع المسافر.

وفي قوله تعالى: { إِلى بلد } قولان:

أحدهما: أنه عامّ في كل بلد يقصِدُه المسافر، وهو قول الأكثرين.

والثاني: أن المراد به: مكة، قاله عكرمة، والأول أصح، والمعنى: أنها تحملكم إِلى كل بلد لو تكلفتم أنتم بلوغه لم تبلغوه إِلا بشِق الأنفس.

وفي معنى «شِق الأنفس» قولان:

أحدهما: أنه المشقة، قاله الأكثرون. قال ابن قتيبة: يقال: نحن بشِق من العيش، أي: بجهد؛ وفي حديث أم زرع: «وجدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشِقّ».

والثاني: أن الشِّق: النِّصف، فكان الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه، ذكره الفراء.

قوله تعالى: { إِن ربكم لرؤوف رحيم } أي: حين مَنّ عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق.