قوله تعالى: { فإذا قرأتَ القرآن فاستعذ بالله } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: فاذا أردتَ القراءة فاستعذ، ومثله
{ { إِذا قمتم إِلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } [المائدة: 6] وقوله: { { وإِذا سألتموهُنَّ متاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ من وراء حجاب } [الأحزاب 53] وقوله: { { إِذا ناجيتم الرسول فقدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقة } [المجادلة: 12]. ومثله في الكلام: إِذا أكلت فقل: باسم الله، هذا قول عامة العلماء واللغويين.
والثاني: أنه على ظاهره، وأن الاستعاذة بعد القراءة. روي عن أبي هريرة، وداود.
والثالث: أنه من المقدَّم والمؤخَّر، فالمعنى: فاذا استعذت بالله فاقرأ، قاله أبو حاتم السجستاني، والأول أصح.
فصل
والاستعاذة عند القراءة سُنَّةٌ في الصلاة وغيرها.
وفي صفتها عن أحمد روايتان:
إحدهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها أبو بكر المروزي.
والثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها حنبل. وقد بيَّنَّا معنى «أعوذ» في أول الكتاب [ص:7]، وشرحنا اشتقاق الشيطان في [البقرة:14]، والرجيم في [آل عمران:36].
قوله تعالى: { إِنه ليس له سلطان على الذين امنوا } في المراد بالسلطان قولان:
أحدهما: أنه التسلُّط.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ليس له عليهم سلطان بحال، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله:
{ إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان إِلاَّ من اتَّبعك من الغاوين } [الحجر 42]. والثاني: ليس له عليهم سلطان، لاستعاذتهم منه.
والثالث: ليس له قُدْرة على أن يحملهم على ذَنْب لا يُغْفَر.
والثاني: أنه الحُجَّة. فالمعنى: ليس له حُجَّة على ما يدعوهم إِليه من المعاصي، قاله مجاهد.
فأما قوله: { يَتَولَّوْنه } معناه: يطيعونه.
وفي هاء الكناية في قوله: { والذين هم به مشركون } قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله مجاهد، والضحاك.
والثاني: أنها ترجع إِلى الشيطان، فالمعنى: الذين هم من أجله مشركون بالله، وهذا كما يقال: صار فلان بك عالماً، أي: من أجلك، هذا قول ابن قتيبة. وقال ابن الأنباري: المعنى: والذين هم باشراكهم إِبليسَ في العبادة، مشركون بالله تعالى.
قوله تعالى: { وإِذا بدَّلنا آية مكان آية } سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزِّل الآية، فيُعمَل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إِلاَّ يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غداً بما هو أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والمعنى: إِذا نسخنا آية بآية، إِما نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة { والله أعلم بما يُنزِّل } من ناسخٍ ومنسوخ، وتشديد وتخفيف، فهو عليم بالمصلحة في ذلك { قالوا إِنما أنت مفترٍ } أي: كاذب { بل أكثرهم لايعلمون } فيه قولان:
أحدهما: لايعلمون أن الله أنزله.
والثاني: لايعلمون فائدة النسخ.
قوله تعالى: { قل نزَّلَه } يعني: القرآن { روح القُدُس } يعني: جبريل. وقد شرحنا هذا الاسم في [البقرة:87].
قوله تعالى: { مِن ربك } أي: من كلامه { بالحق } أي: بالأمر الصحيح { ليثبِّت الذين آمنوا } بما فيه من البيِّنات فيزدادوا يقيناً.