هذا قولهم في التيه. وعنوا بالطعام الواحد: المن والسلوى. قال محمد بن القاسم: كان المن يؤكل بالسلوى، والسلوى بالمن، فلذلك كانا طعاماً واحداً. والبقل هاهنا: اسم جنس، وعنوا به: البقول. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: تذهب العامة إِلى أن البقل: ما يأكله الناس خاصة دون البهائم من النبات الناجم الذي لا يحتاج في أكله إلى طبخ، وليس كذلك، إِنما البقل: العشب، وما ينبت الربيع مما يأكله الناس والبهائم، يقال: بقلت الأرض، وأبقلت، لغتان فصيحتان: إذا أنبت البقل. وابتقلت الإبل: إذا رعت. قال أبو النجم يصف الإبل:
تبقلت في أول التبقل بين رماحي مالك ونهشل.
وفي «القثاء» لغتان: كسر القاف وضمها، والكسر أجود، وبه قرأ الجمهور. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، وقتادة، وطلحة بن مصرف، والأعمش: بضم القاف. قال الفراء: الكسر لغة أهل الحجاز، والضم لغة تميم، وبعض بني أسد. وفي «الفوم» ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الحنطة، قاله ابن عباس، والسدي عن أشياخه، والحسن وأبو مالك، قال الفراء: هي لغة قديمة، يقول أهلها: فوَموا لنا، أي: اختبزوا لنا.
والثاني: أنه الثوم، وهو قراءة عبد الله وأبيّ: «وثومها» واختاره الفراء، وعلل بأنه ذكر مع ما يشاكله، والفاء تبدل من الثاء، كما تقول العرب: الجدث، والجدف: للقبر، والأثافي والأثاثي: للحجارة التي توضع تحت القدر. والمغافير، والمغاثير: لضرب من الصمغ. وهذا قول مجاهد، والربيع بن أنس، ومقاتل، والكسائي، والنضر بن شميل وابن قتيبة.
والثالث: أنه الحبوب، ذكره ابن قتيبة والزجاج.
قوله تعالى: { أتستبدلون الذي هو أدنى }: أي: أردأ { بالذي هو خير }: أي: أعلى، يريد: أن المن والسلوى أعلى ما طلبتم.
قوله تعالى: { اهبطوا مصراً } فيه قولان. أحدهما: أنه اسم لمصر من الأمصار غير معين، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وإنما أمروا بالمصر، لأن الذي طلبوه في الأمصار. والثاني: أنه أراد البلد المسمى بمصر، وفي قراءة عبد الله والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش «مصر» بغير تنوين، قال أبو صالح عن ابن عباس: أراد مصر فرعون، وهذا قول أبي العالية والضحاك، واختاره الفراء، واحتج بقراءة عبد الله. قال: وسئل عنها الأعمش، فقال: هى مصر التي عليها صالح بن علي. وقال مفضل الضبي: سميت مصراً، لأنها آخر حدود المشرق، وأول حدود المغرب، فهي حد بينهما. والمصر: الحد. وأهل هجر يكتبون في عهدهم: اشترى فلان الدار بمصورها، أي: بحدودها. وقال عدي:
وجاعل الشمس مصراً لاخفاء به بين النهار وبين الليل قد فصلا
وحكى ابن فارس أن قوماً قالوا: سميت بذلك لقصد الناس إِياها، كقولهم: مصرت الشاة، إذا حلبتها، فالناس يقصدونها، ولا يكادون يرغبون عنها إذا نزلوها. قوله تعالى: { وضربت عليهم الذلة }: أي: ألزموها، قال الفراء: الذلة والذل: بمعنى واحد وقال الحسن: هي الجزية. وفي المسكنة قولان.
أحدهما: أنها الفقر والفاقة، قاله أبوالعالية، والسدي، وأبو عبيدة، وروي عن السدي قال: هي فقر النفس.
والثاني: الخضوع، قاله الزجاج.
قوله تعالى: { وباؤوا } أي: رجعوا. وقوله تعالى: { ذلك } إشارة إِلى الغضب. وقيل: إِلى جميع ما ألزموه من الذلة والمسكنة وغيرها.
قوله تعالى: { وَيَقتُلون النَّبِيّينَ }.
كان نافع يهمز «النبيين» و «الأنبياء» و«النبوة» وما جاء من ذلك، إلا في موضعين في الاحزاب:
{ { لا تدخوا بيوت النبي } } [53] { إن وهبت نفسها للنبي } [50] وإنما ترك الهمز في هذين الموضعين لاجتماع همزتين مكسورتين من جنس واحد، وباقي القراء لا يهمزون جميع المواضع. قال الزجاج: الأجود ترك الهمز. واشتقاق النبي من: نبأ، وأنبأ، أي: أخبر. ويجوز أن يكون من: نبا ينبو: إذا ارتفع، فيكون بغير همز: فعيلاً، من الرفعة: قال عبد الله بن مسعود: كانت بنو اسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار. قوله تعالى: { بغير الحق } فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أن معناه: بغير جرم، قاله ابن الأنباري. والثاني: أنه توكيد، كقوله تعالى: { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }. والثالث: أنه خارج مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم، فهو كقوله تعالى: { رب احكم بالحق } فوصف حكمه بالحق، ولم يدل على أنه يحكم بغير الحق.
قوله تعالى: { وكانوا يعتدون } العدوان: أشد الظلم. وقال الزجاج: الاعتداء: مجاوزة القدر في كل شيء.