قوله تعالى: { ولدينا كتاب } يعني: اللوح المحفوظ { يَنْطِقُ بالحقِّ } قد أُثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون { وهم لا يُظْلَمون } أي: لا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إِلى الكفار، فقال: { بل قلوبهم في غمرة من هذا } قال مقاتل: في غفلة عن الإِيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمىً عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إِشارة إِلى ما وصف من أعمال البِرِّ في قوله: { أولئك يسارعون في الخيرات }، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا؛ ويجوز أن يكون إِشارة إِلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحقّ وأعماُلهم مُحْصَاةٌ فيه.
فخرج في المشار إِليه بـ { هذا } ثلاثة أقوال.
أحدها: القرآن.
والثاني: أعمال البِرِّ.
والثالث: اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: { ولهم أعمالٌ مِنْ دون ذلك } فيه أربعة أقوال.
أحدها: أعمال سيِّئة دون الشِّرك، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: خطايا من دون ذلك الحق، قاله مجاهد. وقال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية.
والثالث: أعمالٌ غير الأعمال التي ذُكِروا بها سيعملونها، قاله الزجاج.
والرابع: أعمال - من قبل الحين الذي قدَّر الله تعالى أنه يعذِّبهم عند مجيئه - من المعاصي، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: { هم لها عاملون } إِخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كُتبت عليهم لا بدَّ لهم من عملها.
قوله تعالى: { حتى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفيهم } أي: أغنياءهم ورؤساءهم، والإِشارة إِلى قريش. وفي المراد «بالعذاب» قولان.
أحدهما: ضرب السيوف يوم بدر، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: الجوع الذي عُذِّبوا به سبع سنين، قاله ابن السائب. و{ يَجأرون } بمعنى: يصيحون. { لا تَجأروا اليوم } أي: لا تستغيثوا من العذاب { إِنَّكم مِنَّا لا تُنْصَرون } أي: لا تُمْنَعون من عذابنا. { قد كانت آياتي تُتْلَى عليكم } يعني: القرآن { فكنتم على أعقابكم تَنْكِصُونَ } أي: ترجعون وتتأخَّرون عن الإِيمان بها. { مستكبِرين } منصوب على الحال. وقوله: { به } الكناية عن البيت الحرام، وهي كناية عن غير مذكور؛ والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم، لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم. تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف أحداً. ونحن أهل بيت الله وَوُلاتُه، هذا مذهب ابن عباس وغيره. قال الزجاج: ويجوز أن تكون الهاء في «به» للكتاب، فيكون المعنى: تُحدث لكم تلاوتُه عليكم استكباراً.
قوله تعالى: { سامراً } قال أبو عبيدة: معناه: تَهْجُرون سُمَّاراً، والسامر بمعنى السُّمَّار، بمنزلة طفل في موضع أطفال، وهو من سَمَر الليل. وقال ابن قتيبة: «سامراً» أي: متحدِّثين ليلاً، والسَّمَر: حديث الليل. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو العالية، وابن محيصن: «سُمَّراً» بضم السين وتشديد الميم وفتحها، جمع سامر. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: «سُمَّاراً» برفع السين تشديد الميم وألف بعدها.
قوله تعالى: { تهجرون } قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «تَهجُرون» بفتح التاء وضم الجيم. وفي معناها أربعة أقوال.
أحدها: تهجرون ذِكْرَ الله والحقَّ، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: تهجرون كتاب الله تعالى ونبيَّه صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.
والثالث: تهجرون البيت، قاله أبو صالح. وقال سعيد بن جبير: كانت قريش تَسْمُر حول البيت، وتفتخر به ولا تطوف به.
والرابع: تقولون هُجْراً من القول، وهو اللغو والهَذَيان، قاله ابن قتيبة. قال الفراء: يقال: قد هَجَر الرجل في منامه: إِذا هذى، والمعنى: إِنكم تقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه ومالا يَضُرُّه.
وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن محيصن، ونافع: «تُهْجِرُون» بضم التاء وكسر الجيم. قال ابن قتيبة: وهذا من الهُجْر، وهو السَّبُّ والإِفحاش من المنطق، يريد سبَّهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتَّبعه. وقرأ أبو العالية، وعكرمة، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: «تُهَجِّرُون» بتشديد الجيم ورفع التاء؛ قال ابن الأنباري: ومعناها معنى قراءة ابن عباس.