التفاسير

< >
عرض

قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٣٠
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣١
-النور

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } في { من } قولان.

أحدهما: أنها صلة.

والثاني: أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقاً، وإنما أمروا بالغض عما لا يحلُّ.

وفي قوله: { ويحفظوا فروجهم } قولان.

أحدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور.

والثاني: عن أن تُرى، فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية وابن زيد.

قوله تعالى: { ذلك } إشارة إلى الغض وحفظ الفروج { أزكى لهم } أي: خير وأفضل { إن الله خبير بما يصنعون } في الأبصار والفروج ثم امر النساء بما امر به الرجال.

قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن } أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهرةٌ وهي المشار إليها بقوله { إلا ما ظهر منها } وفيه سبعة أقوال.

أحدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء.

والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه.

والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة.

والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد.

والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن.

والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك. قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه احمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فان كان لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.

فان قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها.

فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه.

قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن } وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها، والمعنى: وليُلْقِين مَقانِعَهن { على جيوبهن } ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن. وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: { على جِيوبهن } بكسر الجيم، { ولا يبدين زينتهن } يعني: الخفية وقد سبق بيانها { إلا لبعولتهن } قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.

قوله تعالى: { أو نسائهن } يعني: المسلمات. قال أحمد: لا يحل للمسلمة ان تكشف راسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبِّلان المسلمة.

قوله تعالى: { أو ما ملكت أيمانهن } قال اصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد. وقال أصحاب الشافعي: يدخل فيه العبيد، فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأن مذهب الشافعي أنه مَحْرم لها، وعندنا انه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقد نص أحمد على انه لايجوز أن ينظر إلى شعر مولاته. قال القاضي أبو يعلى: وإنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء، لأن الذين تقدم ذكرهم احرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال.

قوله تعالى: { أو التابعين } وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، او لأنهم نشؤوا فيهم.

وللمفسرين في هذا التابع ستة اقوال:

أحدهما: أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، قاله قتادة، وكذلك قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء.

والثاني: أنه العنين، قاله عكرمة.

والثالث: المخنث كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن، قاله الحسن.

والرابع: أنه الشيخ الفاني.

والخامس: أنه الخادم، قالهما ابن السائب.

والسادس: أنه الذي لا يكترث بالنساء، إما لكبر أو لهرم أو لصغر، ذكره ابن المنادي من أصحابنا. قال الزجاج: { غير } صفة للتابعين. وفيه دليل على ان قوله: { أو ما ملكت أيمانهن } معناه: { غير أولي الإربة من الرجال } والمعنى: ولا يبدين زينتهن لمماليكهن ولا لتُبَّاعِهن إلا أن يكونوا غير أولي الإربة، والإربة: الحاجة ومعناه: غير ذوي الحاجات إلى النساء.

قوله تعالى: { أو الطِّفْل } قال ابن قتيبة: يريد ألأطفال، بدليل قوله { لم يظهروا على عورات النساء } أي: لم يعرفوها.

قوله تعالى: { ولا يضربن بأرجلهن } أي: باحدى الرجلين على الأخرى، ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين.