قوله تعالى: {ويقولون آمَنَّا بالله} قال المفسرون: نزلت في رجل من المنافقين يقال له: بشر كان بينه وبين يهوديّ حكومة، فدعا اليهوديُّ المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، فقال المنافق لليهودي: إِن محمداً يَحِيف علينا، ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {ثم يتولَّى فريق منهم} يعني: المنافقين {مِنْ بَعْدِ ذلك} أي: من بعد قولهم: آمَنَّا {وما أولئك} يعني: المُعْرِضين عن حُكم الله ورسوله {بالمؤمنين. وإِذا دُعُوا إِلى الله} أي: إِلى كتابه {ورسولهِ ليحكُم بينهم} الرسول {إِذا فريق منهم مُعْرِضُون} ومعنى الكلام: أنهم كانوا يُعْرِضُون عن حكم الرسول عليهم، لعِلمهم أنَّه يحكُم بالحق؛ وإِن كان الحق لهم على غيرهم، أسرعوا إِلى حكمه مذعنين، لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق. قال الزجاج: والإِذعان في اللغة: الإِسراع مع الطاعة، تقول: قد أذعن لي، أي: قد طاوعني لِما كنتُ ألتمسه منه.
قوله تعالى: {أفي قلوبهم مرض} أي: كفر {أَمِ ارتابوا} أي: شكُّوا في القرآن؟ وهذا استفهام ذمّ وتوبيخ، والمعنى: إِنهم كذلك، وإِنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمِّهم، كما قال جرير في المدح:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَا [وأندى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ]
أي: أنتم كذلك. فأما الحَيْف، فهو: المَيْل في الحكم؛ يقال: حاف في قضيَّته، أي: جار، {بل أولئك هم الظالمون} أي: لا يَظْلِمُ اللّهُ ورسولُه أحداً، بل هم الظالمون لأنفسهم بالكفر والإِعراض عن حُكم الرسول. ثم نعت المؤمنين، فقال: {إِنما كان قولَ المؤمنين} قال الفراء: ليس هذا بخبرٍ ماضٍ، وإِنما المعنى: إِنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إِذا دعوا أن يقولوا سمعنا. وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء: {إِنما كان قولُ المؤمنين} بضم اللام. وقرأ أبو جعفر، وعاصم الجحدري، وابن أبي [ليلى]: {ليُحكم بينهم} برفع الياء وفتح الكاف. وقال المفسرون: والمعنى: سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعنا أمره، وإِن كان ذلك فيما يكرهونه.
قوله تعالى: {وَيخْشَ الله} أي: فيما مضى من ذنوبه {ويَتَّقْهِ} فيما بعدُ أن يعصيه. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وورش عن نافع: {ويَتَّقْهي} موصولة بياء. وروى قالون عن نافع: {ويَتَّقْهِ فأولئك} بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {ويَتَّقِهْ} جزماً.