التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٦١
-النور

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ليس على الأعمى حَرَجٌ } في سبب نزولها خمسة أقوال.

أحدها: أنه لمّا نزل قوله تعالى: { { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [النساء: 29] تحرَّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزَّمنى والعُمْي والعُرْج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يُبْصِر موضع الطعام الطيِّب، والمريض لا يستوفي الطعام، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثاني: أن ناساً كانوا إِذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إِذا احتاجوا، فكانوا يَتَّقون أن يأكُلوا منها، ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفُسُهم بذلك طيِّبة، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن المسيب.

والثالث: أن العُرجان والعُميان كانوا يمتنعون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذَّرونهم، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، والضحاك.

والرابع: أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إِذا لم يكن عندهم ما يُطعمون المريض والزَّمِن، ذهبوا به إِلى بيوت آبائهم وأُمهاتهم وبعض من سمَّى اللّهُ عز وجل في هذه الآية، فكان أهل الزمَّانَة يتحرَّجون من أكل ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.

والخامس: أنها نزلت في إِسقاط الجهاد عن أهل الزمَّانَة المذكورين في الآية، قاله الحسن، وابن زيد.

فعلى القول الأول يكون معنى الآية: ليس عليكم في الأعمى حرج أن تأكلوا معه، ولا في الأعرج، وتكون «على» بمعنى «في»، ذكره ابن جرير. وكذلك يخرَّج [معنى الآية] على كل قول بما يليق به. وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام { ولا على المريض حرج } وأن ما بعده مستأنَف لا تعلُّق له به، وهو يقوِّي قول الحسن، وابن زيد.

قوله تعالى: { أن تأكُلوا من بيوتكم } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها بيوت الأولاد.

والثاني: البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم، فيكون الخطاب لأهل الرجل وولده وخادمه، ومَن يشتمل عليه منزله، ونسبها إِليهم لأنهم سكّانها.

والثالث: أنها بيوتهم والمراد أكلُهم من مال عيالهم وأزواجهم، لأن بيت المرأة كبيت الرجل.

وإِنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين، لجريان العادة ببذل طعامهم لهم؛ فإن كان الطعام وراء حِرْزٍ، لم يجز هتك الحرز.

قوله تعالى: { أو مَا مَلَكْتُمْ مفاتحه } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الوكيل، لا بأس أن يأكل اليسير، وهو معنى قول ابن عباس. وقرأها سعيد بن جبير، وأبو العالية: { مُلِّكْتُمْ } بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسمَّ فاعله، وفسَّرها سعيد فقال: يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح. وقرأ أنس بن مالك، وقتادة، وابن يعمر { مِفْتَاحَه } بكسر الميم على التوحيد.

والثاني: بيت الإِنسان الذي يملكه، وهو معنى قول قتادة.

والثالث: بيوت العبيد، قاله الضحاك.

قوله تعالى: { أو صَدِيقِكُمْ } قال ابن عباس: نزلت هذه في الحارث بن عمرو، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً، وخلَّف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً، فقال: تحرَّجْتُ أن آكل من طعامك بغير إِذنك، فنزلت هذه الآية. وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصَّديق بغير استئذان جائزاً.

قوله تعالى: { ليس عليكم جُنَاحٌ أن تأكُلوا جميعاً } في سبب نزول هذه [الآية] ثلاثة أقوال.

أحدها: أن حيّاً من بني كنانة يقال لهم: بنو ليث كانوا يتحرَّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده؛ فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إِلى الرَّواح، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة والضحاك.

والثاني: أن قوماً من الأنصار كانوا لا يأكلون إِذا نزل بهم ضيف إِلا مع ضيفهم، فنزلت هذه الآية، ورخِّص لهم أن يأكلوا جميعاً أو أشتاتاً، قاله عكرمة.

والثالث: أن المسلمين كانوا يتحرَّجون من مؤاكلة أهل الضُّرِّ خوفاً من أن يستأثروا عليهم، ومن الاجتماع على الطعام، لاختلاف الناس في مآكلهم وزيادةِ بعضهم على بعض، فوسِّع عليهم، وقيل: { ليس عليكم جُناح أن تأكُلوا جميعاً } أي: مجتمعين { أو أشتاتاً } أي: متفرِّقين، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { فإذا دخلتم بيوتاً } فيها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها بيوت أنفسكم، فسلِّموا على أهاليكم وعيالكم، قال جابر بن عبد الله، وطاووس، وقتادة.

والثاني: أنها المساجد، فسلِّموا على مَنْ فيها، قاله ابن عباس.

والثالث: بيوت الغير؛ فالمعنى: إِذا دخلتم بيوت غيركم فسلِّموا عليهم، قاله الحسن.

قوله تعالى: { تحيةً } قال الزجاج: هي منصوبة على المصدر، لأن قوله: { فسلِّموا } بمعنى: فحيُّوا وَلْيُحَيِّ بعضكم بعضاً تحيَّةً، { من عند الله } قال مقاتل: مباركة بالأجر، { طيبةً } أي: حسنة.