قوله تعالى: { ما أسألُكم عليه } أي: على القرآن وتبليغ الوحي { من أَجْر } وهذا توكيد لصِدْقه، لأنه لو سأَلهم شيئاً من أموالهم لاتَّهموه، { إِلا من شاء } معناه: لكن من شاء { أن يَتَّخذ إِلى ربِّه سبيلاً } بانفاق ماله في مرضاته، فَعَل ذلك، فكأنه قال: لا أسألكم لنفسي. وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه [آل عمران:159، البقرة:30، الأعراف:54] إِلى قوله: { فاسأل به خبيراً }، و«به» بمعنى: «عنه»، قال [عَلْقَمة بن عَبَدة]:
فانْ تَسْأَلُونِي بالنِّساء فانَّني بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
وفي هاء «به» ثلاثة أقوال. أحدها: أنها ترجع إِلى الله عز وجل.
والثاني: إِلى اسمه الرحمن، لأنهم قالوا: لا نعرف الرَّحمن.
والثالث: إِلى ما ذكر مِنْ خَلْق السموات والأرض وغير ذلك.
وفي «الخبير» أربعة أقوال.
أحدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الله عز وجل، والمعنى: سلني فأنا الخبير، قاله مجاهد.
والثالث: [أنه] القرآن، قاله شمر.
والرابع: مُسْلِمة أهل الكتاب، قاله أبو سليمان، وهذا يخرَّج على قولهم: لا نعرف الرَّحمن، فقيل: سَلُوا مُسَلِمة أهل الكتاب، فان الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن، فعلى هذا، الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه.
قوله تعالى: { وإِذا قيل لهم } يعني كفار مكة { اسجُدوا للرَّحمن قالوا وما الرحمن } قال المفسرون: إِنهم قالوا: لا نعرف الرَّحمن إِلا رحمن اليمامة، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى، { أَنسْجُدُ لِمَا تأمُرُنا } وقرأ حمزة، والكسائي: { يأمُرُنا } بالياء، أي: لِمَا يأمرنا به محمد، وهذا استفهام إِنكار، ومعناه: لا نسجد للرَّحمن الذي تأمرنا بالسجود له، { وزادهم } ذِكر الرحمن { نُفوراً } أي: تباعداً من الإِيمان.