قوله تعالى: { وعبادُ الرَّحمن الذين يَمْشُون } وقرأ عليّ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابن السميفع: { يُمَشَّون } برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد. وقال ابن قتيبة: إِنما نسبهم إِليه لاصطفائه إِياهم، كقوله:
{ ناقةُ الله } [الأعراف: 73 ]، ومعنى { هَوْناً }: مشياً رويداً. ومنه يقال: أَحْبِبْ حبيبك هَوْناً ما. وقال مجاهد: يمشون بالوقار والسكينة. { وإِذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } أي: سَداداً. وقال الحسن: لا يجهلون على أحد، وإِن جهل عليهم حَلُموا. وقال مقاتل بن حيّان: { قالوا سلاماً } أي: قولاً يسْلَمون فيه من الإِثم. وهذه الآية محكمة عند الأكثرين. وزعم قوم: أن المراد بها أنهم يقولون للكفار: ليس بيننا وبينكم غير السلام، ثم نُسخت بآية السيف. قوله تعالى: { والذين يَبيتون لربِّهم } قال الزجاج: كل من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم؛ يقال: بات فلان قلِقاً، إِنما المبيت إِدراك الليل.
قوله تعالى: { كان غراماً } فيه خمسة أقوال متقارب معانيها.
أحدها: دائماً، رواه أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: موجِعاً، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: مُلِحّاً، قاله ابن السائب؛ وقال ابن جريج: لا يفارق.
والرابع: هلاكاً، قاله أبو عبيدة.
والخامس: أن الغرام في اللغة: أشدُّ العذاب، قال الشاعر:
وَيَوْمَ النِّسار وَيَوْمَ الجِفا رِكانَا عذاباً وكانَا غَرَاماً
قاله الزجاج. قوله تعالى: { ساءت مُسْتَقَرّاً } أي: بئس موضع الاستقرار وموضع الإِقامة هي.
قوله تعالى: { والذين إِذا أنفقوا لم يُسْرِفوا ولم يقتروا } وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: { يَقْتِروا } مفتوحة الياء مكسورة التاء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: { يَقْتُروا } بفتح الياء وضم التاء. وقرأ نافع، وابن عامر: { يُقْتِروا } بضم الياء وكسر التاء.
وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما: أن الإِسراف: مجاوزة الحدِّ في النفقة، والإِقتار: التقصير عمّا لا بُدَّ منه، ويدل على هذا قولُ عمر بن الخطاب: كفى بالمرء سَرَفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهى.
والثاني: [أنَّ] الإِسراف: الإِنفاق في معصية الله وإِن قَلَّ، والإِقتار: منع حق الله تعالى، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن جريج في آخرين.
قوله تعالى: { وكان } يعني الإِنفاق { بين ذلك } أي: بين الإِسراف والإِقتار { قَوَاماً } أي: عَدْلاً؛ قال ثعلب: القَوام، بفتح القاف: الاستقامة والعَدْل، وبكسرها: ما يدوم عليه الأمر ويستقرّ.