قوله تعالى: { هل يَسْمَعُونكم } والمعنى: هل يَسمعون دعاءكم. وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: { هل يُسْمِعونكم } بضم الياء وكسر الميم، { إِذ تَدْعُون } قال الزجاج: إِن شئت بيَّنت الذال، وإِن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية، لقرب الذال من التاء.
قوله تعالى: { أو يَنْفَعونكم } أي: إِن عبدتموهم { أو يَضُرُّونَ } إِن لم تعبدوهم؟ فأخبروا عن تقليد آبائهم.
قوله تعالى: { فإنَّهم عَدُوٌّ لي } فيه وجهان.
أحدهما: أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع؛ فالمعنى: فانهم أعداءٌ لي.
والثاني: فان كلَّ معبود لكم عدوٌّ لي.
فان قيل: ما وجه وصف الجماد بالعداوة؟
فالجواب: من وجهين.
أحدهما: أن معناه: فانهم عدوٌّ لي يوم القيامة إِن عبدتُهم.
والثاني: أنه من المقلوب؛ والمعنى: فإنِّي عدوٌّ لهم، لأن مَنْ عاديتَه عاداكَ، قاله ابن قتيبة.
وفي قوله: { إِلاّ رَبَّ العالَمِين } قولان.
أحدهما: أنه استثناء من الجنس، لأنه عَلِم أنهم كانوا يعبُدون الله مع آلهتهم، قاله ابن زيد.
والثاني: أنه من غير الجنس؛ والمعنى: لكن ربّ العالمين [ليس كذلك]، قاله أكثر النحويين.
قوله تعالى: { الذي خلقني فهو يَهْدِين } أي: إِلى الرّشد، لا ما تعبُدون، { والذي هو يُطْعِمُني وَيَسْقين } أي: هو رازقي الطعام والشراب.
فإن قيل: لم قال: { مرضتُ }، ولم يقل «أمرضَني»؟
فالجواب: أنه أراد الثناء على ربّه فأضاف إِليه الخير المحض، لأنه لو قال: «أمرضَني» لعدَّ قومُه ذلك عيباً، فاستعمل حُسن الأدب؛ ونظيره قصة الخضر حين قال في العيب:
{ { فأردتُ } [الكهف:79]، وفي الخير المحض: { { فأراد ربُّكَ } [الكهف:82]. فإن قيل: فهذا يردُّه قوله: { والذي يُميتني }.
فالجواب: أن القوم كانوا لا يُنكرون الموت، وإِنما يجعلون له سبباً سوى تقدير الله عز وجل، فأضافه إِبراهيم إِلى الله عز وجل، وقوله: { ثم يُحيين } يعني للبعث: [وهو] أمرٌ لا يُقِرُّون به، وإِنما قاله استدلالاً عليهم؛ والمعنى: أن ما وافقتموني عليه موجب لِصِحَّة قولي فيما خالفتموني فيه.
قوله تعالى: { والذي أَطْمَعُ أن يَغْفِر لي خطيئتي } يعني: ما يجري على مِثْلِي من الزَّلل؛ والمفسرون يقولون: إِنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في [الأنبياء:63]، { يومَ الدِّين } يعني: يوم الحشر والحساب؛ وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلحُ الإِلهية إِلا لِمَنْ فَعَلَ هذه الأفعال.