التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
١٤
فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
١٥
-العنكبوت

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولقد أرسَلْنا نوحاً إِلى قومه } في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أُعلم أن الأنبياء قد ابتُلوا قبلَه، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشّرك، فانهم وإِن أُمهلوا، فقد أُمهل قوم نوح أكثر ثم أُخذوا.

قوله تعالى: { فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إِلاَّ خمسينَ عاماً } اختلفوا في عُمُر نوح على خمسة أقوال.

أحدها: بُعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إِلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.

والثاني: أنَّه لبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، وعاش بعد ذلك سبعين عاماً، فكان مبلغ عُمُره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.

والثالث: أنهُ بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد.

والرابع: أنَّه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، [ودعاهم ثلاثمائة سنة] ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة. وقال وهب ابن منبِّه: بُعث لخمسين سنة.

والخامس: أنَّ هذه الآية بيَّنت مقدار عُمُره كلِّه، حكاه الماوردي.

فان قيل: ما فائدة قوله { إِلاَّ خمسينَ عاماً }، فهلاَّ قال: تسعمائة وخمسين!

فالجواب: أنَّ المراد به تكثير العدد، وذِكْر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد.

قال الزجاج: تأويل الاستثناء في كلام العرب: التوكيد، تقول: جاءني إِخوتك إِلا زيداً، فتؤكِّد أَنَّ الجماعة جاؤوا، وتنقص زيداً. واستثناء نصف الشيء قبيح جداً لا تتكلَّم به العرب، وإِنما تتكلَّم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقُص قيراطاً، فلو قلت: ينقُص نصفه، كان الأَولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إِلاَّ قليل من كثير.

قوله تعالى: { فأخذَهم الطُّوفان } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: الموت، روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: { فأخذَهم الطُّوفان } قال: «الموت».

والثاني: المطر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة. قال ابن قتيبة: هو المطر الشديد.

والثالث: الغرق، قاله الضحاك.

قال الزجاج: الطُّوفان من كل شيء: ما كان كثيراً مطيفاً بالجماعة كلِّها، فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة: طوفان، وكذلك القتل الذريع، والموت الجارف: طوفان.

قوله تعالى: { وهم ظالمون } قال ابن عباس: كافرون.

قوله تعالى: { وجعلناها } يعني السفينة، قال قتادة: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجُودِيّ. قال أبو سليمان الدمشقي: وجائز أن يكون أراد: الفعلة التي فعلها بهم من الغرق { آية }، أي عِبرة { للعالَمين } [بعدهم].