قوله تعالى: { يومَ تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ } قرأ أبو رزين العقيلي، وأبو عمران الجوني، وأبو نهيك: تبيض وتسود، بكسر التاء فيهما. وقرأ الحسن، والزهري، وابن محيصن، وأبو الجوزاء: تبياضُّ وتسوادُّ بألف، ومدة فيهما. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر. فأما الذين اسوادَّت وابياضَّت، بألف ومدة. قال الزجاج: أخبر الله بوقت ذلك العذاب، فقال: يوم تبيض وجوه. قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنَّة، وتسود وجوه أهل البدعة. وفي الذين اسودت وجوههم، خمسة أقوال.
أحدها: أنهم كل من كفر بالله بعد إيمانه يوم الميثاق، قاله أُبيّ بن كعب.
والثاني: أنهم الحرورية، قاله أبو أُمامة، وأبو إسحاق الهمذاني.
والثالث: اليهود، قاله ابن عباس.
والرابع: أنهم المنافقون، قاله الحسن.
والخامس: أنهم أهل البدع، قاله قتادة.
قوله تعالى: { أكفرتم } قال الزجاج: معناه: فيقال لهم: أكفرتم، فحذف القول لأن في الكلام دليلاً عليه، كقوله تعالى:
{ { وإسماعيل ربَّنا تقبل منا } [البقرة: 127]، أي: ويقولان: ربنا تقبَّل منا. ومثله: { من كل باب. سلام عليكم } [الرعد: 25، 26] والمعنى: يقولون: سلام عليكم. والألف لفظها لفظ الاستفهام، ومعناها التقرير والتوبيخ. فإن قلنا: إنهم جميع الكفار، فإنهم آمنوا يوم الميثاق، ثم كفروا، وإن قلنا: إنهم الحرورية، وأهل البدع، فكفرهم بعد إيمانهم: مفارقة الجماعة في الاعتقاد، وإن قلنا: اليهود، فإنهم آمنوا بالنبي قبل مبعثه، ثم كفروا بعد ظهوره، وإن قلنا:المنافقون، فإنهم قالوا بألسنتهم، وأنكروا بقلوبهم.
قوله تعالى: { فذوقوا العذاب } أصل الذوق إنما يكون بالفم، وهذا استعارة منه، فكأنهم جعلوا ما يُتَعَرَّف ويُعرف مذوقاً على وجه التشبيه بالذي يعرف عند التطعم، تقول العرب: قد ذُقتُ من إكرام فلان ما يُرغبني في قصده، يعنون: عرفت، ويقولون: ذق الفرس، فاعرف ما عنده.
قال تميم بن مقبل:
أو كاهْتِزَازِ رُديني تُذاوِقُه أيدي التجار فزادوا متنه لينا
وقال الآخر:وإنَّ الله ذاقَ حُلومَ قيس فلمَا راءَ خِفَّتَها قلاها
يعنون بالذوق: العلم. وفي كتاب الخليل: كل ما نزل بإنسان من مكروهٍ، فقد ذاقه.