قوله تعالى: { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا } اختلفوا فيمن أنزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنها في نفقات الكفار، وصدقاتهم، قاله مجاهد.
والثاني: في نفقة سفلة اليهود على علمائهم، قاله مقاتل.
والثالث: في نفقة المشركين يوم بدر.
والرابع: في نفقة المنافقين إذا خرجوا مع المسلمين لحرب المشركين، ذكر هذين القولين أبو الحسن الماوردي. وقال السدي: إنما ضرب الإنفاق مثلاً لأعمالهم في شركهم. وفي الصرّ ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه البرد، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه النار، قاله ابن عباس، وقال ابن الأنباري: وإنما وصفت النار بأنها صرّ لتصويتها عند الالتهاب.
والثالث: أن الصرّ: التصويت، والحركة من الحصى والحجارة، ومنه صرير النعل، ذكره ابن الأنباري. والحرث: الزرع. وفي معنى «ظلموا أنفسهم» قولان.
أحدهما: ظلموها بالكفر، والمعاصي، ومنع حق الله تعالى.
والثاني: بأن زرعوا في غير وقت الزرع.
قوله تعالى: { وما ظلمهم الله } قال ابن عباس: أي: ما نقصهم ذلك بغير جرم أصابوه، وإنما أُنزل بهم ذلك لظلمهم أنفسهم بمنع حق الله منه، وهذا مثل ضربه الله لإبطال أعمالهم في الآخرة. وحدثنا عن ثعلب، قال: بدأ الله تعالى هذه الآية بالريح، والمعنى: على الحرث، كقوله تعالى: { كمثل الذي ينعِق بما لا يسمع } وإنما المعنى على المنعوق به، وقريب منه قوله تعالى:
{ والذين يُتوفَّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن } فخبر عن «الأزواج» وترك «الذين» كأنه قال: أزواج الذين يتوفون منكم يتربصن، فبدأ بالذين، ومراده: بعد الأزواج. وأنشد:
لعلِّيَ إِن مالت بي الريح ميلةً على ابن أبي ديَّان أن يتندَّما
فخبر عن ابن أبي ديان، وترك نفسه، وإنما أراد: لعل ابن أبي ديان أن يتندما إن مالت بي الريح ميلةً. وقد يبدأ بالشيء، والمراد التأخير، كقوله تعالى: { ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله وجوهُهم مسودةٌ } [الزمر: 60] والمعنى: ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة يوم القيامة.