قوله تعالى: { يُرْسِلُ الرِّياح } وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، والنخعي، وطلحة بن مصرِّف، والأعمش: { يُرْسِلُ الرِّيح } بغير ألف.
قوله تعالى: { فتُثير سحاباً } أي: تُزعجه { فيَبْسُطُهُ } الله { في السماء كيف يشاء } إِن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر { ويجعلُه كِسَفاً } أي: قِطعاً متفرِّقة. والأكثرون فتحوا سين { كِسَفاً }؛ وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة: بتسكينها؛ قال أبو علي: يمكن أن يكون مثل سِدْرَة وسِدَر، فيكون معنى القراءتين واحداً { فتَرى الوَدْق يخرُج مِن خِلاَله } وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية: { مِن خَلَلِه }؛ وقد شرحناه في [النور43] { فاذا أَصاب به } أي: بالوَدْق؛ ومعنى { يَستبشِرون } يفرحون بالمطر، { وإِن كانوا مِنْ قَبْلِ أن يُنَزَّل عليهم } المطر { مِنْ قَبْله } وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه للتأكيد كقوله:
{ فسجد الملائكة كلُّهم أجمعون } [الحجر:30]، قاله الأخفش في آخرين. والثاني: أن «قَبْل» الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب. قال ابن الأنباري: والمعنى: مِنْ قَبْل نزول المطر، مِنْ قَبْل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل ان تطمئن في مجلسك، فلا تُنكَر الإِعادة، لاختلاف الشيئين.
والثالث: أن الهاء في قوله: { مِنْ قبْله } ترجع إِلى الهُدى وإِن لم يتقدَّم له ذِكْر، فيكون المعنى: كانوا يقنَطنون من قبل نزول المطر، من قبل الهُدى، فلمَّا جاء الهُّدى والإِسلام زال القُنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عُمر الدُّوري وأبي جعفر بن قادم. والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام:44].
{ فانظُر إِلى آثار رحمة الله } قرأ أبن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: { إِلى أَثَر }. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: { إِلى آثار } على الجمع، والمراد بالرحمة هاهنا المطر، وأثرها: النبت؛ والمعنى: انظر إِلى حسن تأثيره في الأرض { كيف يُحيي الارض } أي: كيف يجعلها تُنبت بعد أن لم يكن فيها نبت. وقرأ عثمان بن عفان، وأبو رجاء، وأبو عمران الجوني، وسليمان التيمي. { كيف تُحْيِي } بتاء مرفوعة مكسورة الياء { الأرضَ } بفتح الضاد.
قوله تعالى: { ولَئن أَرسلْنا ريحاً } [أي: ريحاً] باردة مُضِرَّة، والريح إِذا أتت على لفظ الواحد أُريدَ بها العذاب، ولهذا
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند هبوب الريح: اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" { فرأوه مُصْفَرّاً } يعني النبت، والهاء عائدة إِلى الأثر. قال الزجاج: المعنى: فرأَوُا النبت قد اصفرّ وجفَّ { لظلُّوا مِنْ بَعده يكفُرونَ } ومعناه: لَيَظَلُّنّ، لأن معنى الكلام الشرط والجزاء، فهم يستبشرون بالغيث، ويكفرون إِذا انقطع عنهم الغيث وجفَّ النبت. وقال غيره: المراد برحمة الله: المطر. و { ظلُّوا } بمعنى صاروا { من بعده } أي: من بعد اصفرار النبت يجحدون ما سلف من النِّعمة. وما بعد هذا مفسَّر في سورة [النمل:80،81] إِلى قوله: { اللّهُ الذي خلقكم من ضَعْف } وقد ذكرنا الكلام فيه في [الأنفال:66]، قال المفسرون: المعنى: خلقكم من ماءٍ ذي ضَعف، وهو المنيّ { ثُمَّ جَعل مِنْ بَعْد ضَعْف } يعني ضعف الطفولة قوَّة الشباب، ثُمَّ جَعل مِن بَعْد قوَّة الشباب ضعف الكِبَر، وشيبةً، { يخلُق ما يشاء } أي: من ضعف وقوَّة وشباب وشَيبة { وهو العليم } بتدبير خلقه { القدير } على ما يشاء. { ويوم تقوم الساعة } قال الزجاج: الساعة في القرآن على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة، فلذلك لم تُعرف أيّ ساعة هي.
قوله تعالى: { يُقسِم المجرِمون } أي: يَحْلِف المشركون { ما لَبِثوا } في القبور { غيرَ ساعةٍ كذلك كانوا يؤفَكون } قال ابن قتيبة: يقال: أُفِكَ الرجلُ: إِذا عُدِل به عن الصِّدق، فالمعنى أنهم قد كذَّبوا في هذا الوقتِ كما كَذَّبوا في الدنيا. وقال غيره: أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين، فحلفوا على شيء يبَين للمؤمنين كذبُهم فيه، ويستدلُّون على كذبهم في الدنيا. ثم ذكر إِنكار المؤمنين عليهم بقوله: { وقال الذين أُوتوا العِلْم والإِيمانَ } وفيهم قولان.
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: المؤمنون.
قوله تعالى: { لقد لَبِثتم في كتاب الله إِلى يوم البعث } فيه قولان.
أحدهما: أن فيه تقديماً وتأخيراً، تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإِيمان بالله، قاله ابن جريج في جماعة من المفسرين.
والثاني: أنه على نظمه. ثم في معناه قولان.
أحدهما: لقد لَبِثتم في عِلْم الله، قاله الفراء.
والثاني: لقد لَبِثتم في خَبَر الكتاب، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: { فهذا يومُ البعث } أي: اليوم الذي كنتم تُنْكِرونه { ولكنَّكم كنتم لا تَعْلَمون } في الدنيا أنه يكون. { فيومَئذ لا يَنْفَعُ الذين ظَلَموا معذرتُهم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: { لا تَنْفَعُ } بالتاء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالياء، لأن التأنيث غير حقيقي.
قال ابن عباس: لا يُقْبَلُ من الذين أشركوا عُذر ولا توبة.
قوله تعالى: { ولا هُمْ يُسْتَعْتَبون } أي: لا يُطلب منهم العتبى والرجوعُ في الآخرة.