التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
-الأحزاب

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { يا أيُّها النبيُّ اتَّقِ الله } سبب نزولها أن أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي، قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموادعة التي كانت بينهم، فنزلوا على عبد الله بن أُبيّ، ومعتّب بن قُشَير، والجَدّ بن قيس؛ فتكلَّموا فيما بينهم، وأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعَوه إِلى أمرهم وعرضوا عليه أشياء كرهها، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال مقاتل: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفُض ذِكْر اللات والعُزَّى ويقولَ: إِنَّ لها شفاعة، فكَرِه ذلك، ونزلت [هذه] الآية. وقال ابن جرير: { ولا تُطِع الكافرينَ } الذين يقولون: اطرد عنَّا أتباعك من ضعفاء المسلمين { والمنافقينَ } فلا تَقْبَل منهم رأياً.

فان قيل: ما الفائدة في أمر الله تعالى رسولَه بالتقوى، وهو سيِّد المتَّقين؟! فعنه ثلاثة أجوبة.

أحدها: أن المراد بذلك استدامة ما هو عليه.

والثاني: الإِكثار مما هو فيه.

والثالث: أنه خطاب وُوجِهَ به، والمراد أُمَّتُه.

قال المفسرون: وأراد بالكافرين في هذه الآية: أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور، وبالمنافقين: عبد الله بن أُبيّ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطُعمة بن أُبَيْرِق. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء:81] إِلى قوله: { ما جعل اللّهُ لرجُل من قلبين في جوفه } وفي سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن المنافقين كانوا يقولون: لمحمد قلبان، قلب معنا، وقلبٌ مع أصحابه، فأكذبهم اللّهُ تعالى، ونزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في جميل بن مَعْمَر الفهري ـ كذا نسبه جماعة من المفسرين. وقال الفراء: جميل بن أسد، ويكنى: أبا مَعْمَر. وقال مقاتل: أبو مَعْمَر بن أنس الفهري - وكان لبيباً حافظاً لِمَا سمع، فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إِلا وله قلبان في جوفه، وكان يقول: إِن لي قلبين أعقِل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلمَّا كان يوم بدر وهُزم المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقَّاه أبو سفيان وهو معلِّق إِحدى نعليه بيده، والأخرى في رجله، فقال له: ما حالُ الناس؟ فقال: انهزموا، قال: فما بالك إِحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرتُ إِلاَّ أنهما في رِجليّ، فعرفوا [يومئذ] أنه لو كان له قلبان لَمَا نسي نعله في يده؛ وهذا قول جماعة من المفسرين. وقد قال الزهري في هذا قولاً عجيباً، قال: بلغَنا أن ذلك في زيد ابن حارثة ضُرب له مثَل يقول: ليس ابنُ رجل آخر ابنَك. قال الأخفش: «مِنْ» زائدة في قوله: { مِنْ قلبين }. قال الزجاج: أكذبَ اللّهُ عز وجل هذا الرجل الذي قال: لي قلبان، ثم قرر بهذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم ممَّا لا حقيقة له، فقال: { وما جَعل أزواجَكم اللاَّئي تُظاهِرونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكم } فأعلم الله تعالى أن الزوجة لا تكون أُمّاً، وكانت الجاهلية تُطلِّق بهذا الكلام، وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كَظَهر أُمِّي، وكذلك قوله: { وما جَعل أدعياءَكم أبناءَكم } أي: ما جعل مَنْ تَدْعونه ابناً ـ وليس بولد في الحقيقة ـ ابناً { ذلكم قولُكم بأفواهكم } أي: نسبُ مَنْ لا حقيقةَ لنَسَبه قولٌ بالفم لا حقيقة تحته { واللّهُ يقولُ الحقَّ } أي: لا يجعل غير الابن ابناً { وهو يَهدي السبيل } أي: للسبيل المستقيم. وذكر المفسرون أن قوله: { وما جَعل أزواجَكم اللاَّئي تُظاهِرون مِنْهُنَّ } نزلت في اوس بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة.

ومعنى الكلام: ما جعل أزواجكم اللاَّئي تُظِاهرون منهنَّ كأُمَّهاتكم في التحريم، إِنَّما قولُكم معصية، وفيه كفَّارة، وأزواجُكم لكم حلال؛ وسنشرح هذا في سورة [المجادلة] إِن شاء الله. وذكروا أن قوله: { وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم } نزل في زيد بن حارثة، أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبنَّاه قبل الوحي، فلمَّا تزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش قال اليهود والمنافقون: تزوَّج محمدٌ امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها، فنزلت هذه الآية.