التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٣٤
وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٣٥
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٦
وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
٣٨
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٣٩
-سبأ

زاد المسير في علم التفسير

{ وما أرسَلْنا في قرية من نذير } أي: نبيّ يُنْذِر { إِلاَّ قالَ مُتْرَفوها } وهم أغنياؤها ورؤساؤها.

قوله تعالى: { وقالوا نحن أكثرُ أموالاً وأولاداً }. في المشار إِليهم قولان.

أحدهما: أنهم المُتْرَفون من كل أُمَّة.

والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خوَّلهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: { وما نحن بمعذَّبين } لأن الله أحسن إِلينا بما أعطانا فلا يعذِّبنا، فأخبر أنه { يبسُط الرِّزق لمن يشاء ويَقْدِر }؛ والمعنى أنَّ بَسْطَ الرِّزق وتضييقه ابتلاءٌ وامتحان، لا أنَّ البَسْطَ يدلُّ على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه { ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون } ذلك. ثم صرح بهذا المعنى بقوله { وما أموالُكم ولا أولادُكم بالَّتي تقرّبُكم عندنا زُلْفى } قال الفراء: يصلُح أن تقع «التي» على الأموال والأولاد جميعاً، لأن الأموال جمع والأولاد جمع؛ وإِن شئتَ وجَّهتَ «التي» إِلى الأموال، واكتفيتَ بها من ذِكْر الأولاد؛ وأنشد لمرّار الأسدي:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

وقد شرحنا هذا في قوله: { ولا يُنْفِقونها في سبيل الله } [التوبة:34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقرِّبكم، ولا أولادكم بالذين يقرِّبونكم، فحُذف اختصاراً. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وأَبو الجوزاء: { باللاتي تقرِّبكم }. قال الأخفش: و { زُلْفى } هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقرِّبكم عندنا ازْدِلافاً. وقال ابن قتيبة: { زُلْفى } أي: قُرْبى ومَنْزِلةً عِندنا.

قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ آمَنَ } قال الزجاج: المعنى: ما تقرِّبُ الأموالُ إِلاَّ من آمن وعمل بها في طاعة الله، { فأولئك لهم جزاءُ الضِّعف } والمراد به هاهنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاءُ الضِّعف الذي قد أعلمتُكم مقداره. وقال ابن قتيبة: لم يُرِدْ فيما يَرى أهلُ النظر - والله أعلم ـ أنهم يُجازَون بواحدٍ مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مِثْل يُضَمُّ إِلى مِثْلٍ ما بَلَغ، وكأنَّ الضِّعفَ الزيادةُ، فالمعنى: لهم جزاءُ الزيادة. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: { لهم جزاءً } بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلاً { الضِّعفُ } بالرفع. وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: { لهم جزاءٌ } بالرفع والتنوين { الضِّعفُ } بالرفع.

قوله تعالى: { وهم في الغُرُفات } يعني [في] غُرَف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية. وقرأ حمزة: { في الغُرْفة } على التوحيد؛ أراد اسم الجنس. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: { في الغُرْفات } بضم الغين وسكون الراء مع الألف. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف { آمنون } من الموت والغير. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج:51، الرعد:26] إِلى قوله: { وما أَنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُه } أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف اللّهُ له وعليه: إِذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال.

أحدهما: ما أنفقتم من غير إِسراف ولا تقتير فهو يُخْلِفُه، قاله سعيد بن جبير.

والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي.

والثالث: ما أنفقتم في الخير والبِرِّ فهو يُخْلِفه، إِمَّا أن يعجِّلَه في الدنيا، أو يدَّخرَه لكم في الآخرة، قاله ابن السائب.

والرابع: أن الإِنسان قد يُنفق ماله في الخير ولا يرى له خَلَفاً أبداً؛ وإِنما معنى الآية: ما كان من خَلَف فهو منه، ذكره الثعلبي.

قوله تعالى: { وهو خير الرَّازِقِين } لمَّا دار على الألسن أن السلطان يرزُق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المُعْطِين.