قوله تعالى: { وأقسَموا بالله جَهْدَ أَيْمانهم } يعني كفار مكة، حلفوا بالله قبل إِرسال محمد صلى الله عليه وسلم { لَئِن جاءهم نذير } أي: رسول { لَيَكُونُنَّ أَهدى } أي: أَصْوَبَ دِيناً { مِنْ إِحدى الأُمم } يعني: اليهود والنصارى الصابئين { فلمَّا جاءهم نذير } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { ما زادهم } مجيئُه { إِلاَّ نُفُوراً } أي: تباعُداً عن الهُدى، { استكباراً في الأرض } أي: عتوّاً على الله وتكبُّراً عن الإِيمان به. قال الاخفش: نصب { استكباراً } على البدل من النفور. قال الفراء: المعنى: فعلوا ذلك استكباراً { ومَكْرَ السَّيِّءِ }، فأضيف المكر إِلى السَّيِّءِ، كقوله:
{ وإِنَّه لَحَقُّ اليَقين } [الحاقة:51]، وتصديقه في قراءة عبد الله: { ومَكْراً سَيِّئاً }، والهمزة في { السَّيِّءِ } مخفوضة، وقد جزمها الأعمش وحمزة، لكثرة الحركات؛ قال الزجّاج: وهذا عند النحويِّين الحُذَّاق لَحْن، إِنّما يجوز في الشِّعر اضطراراً. وقال أبو جعفر النحاس: كان الأعمش يقف على { مَكْرَ السَّيّ } فيترك الحركة، وهو وقف حَسَنٌ تامّ، فغَلِط الراوي؛ فروى أنه كان يَحْذِفُ الإِعراب في الوصل، فتابع حمزة الغالط، فقرأ في الإِدراج بترك الحركة. وللمفسرين في المراد بـ { مكر السَّيِّءِ } قولان.
أحدهما: أنه الشِّرك. قال ابن عباس: عاقبة الشِّرك لا تَحُلُّ إِلا بمن أشرك.
والثاني: أنه المَكْر برسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: { فهل ينظُرون } أي: ينتظِرون { إِلاَّ سُنَّةَ الأوَّلِين } أي: إِلاَّ أن يَنْزِل العذاب بهم كما نَزَل بالأمم المكذِّبة قبلهم { فلن تَجِد لِسُنَّةِ الله } في العذاب { تبديلاً } وإِن تأخَّر { ولن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلاً } أي: لا يَقْدِر أحدٌ أن يحوِّل العذاب عنهم إِلى غيرهم.