التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ
٧٧
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ
٧٨
قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
٧٩
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ
٨٠
أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨١
إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٨٢
فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٨٣
-يس

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ الإِنسانُ أَنَّا خَلَقْناه مِنْ نُطْفة } اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية والتي بعدها على خمسة أقوال:

أحدها: " أنه العاص بن وائل السهمي، أخذ عَظْماً من البطحاء ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُحْيي اللهُ هذا بعد ما أرى؟ فقال: نعم، يُميتُكَ الله ثُمَّ يُحْييكَ ثُم َّيُدخلكَ نار جهنَّم" ، فنزلت هذه الآيات. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: أنه عبد الله بن أُبيّ بن سلول، جرى له نحو هذه القصة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أنه أبو جهل ابن هشام وأن هذه القصة جرت له، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والرابع: أنه أُميَّةُ بن خَلَف، قاله الحسن.

والخامس: أنه أُبيُّ بن خَلَف الجُمَحي، وهذه القصة جرت له، قاله مجاهد، وقتادة، والجمهور، وعليه المفسِّرون.

ومعنى الكلام: التعجُّب مِنْ جهل هذا المخاصِم في إِنكاره البعث؛ والمعنى: ألا يَعلم أنه مخلوق فيتفكر في بدء خلقه فيترك خصومته؟! وقيل: هذا تنبيه له على نعمة الله عليه حيث أنشأه من نطفة فصار مجادلاً.

{ وضرب لنا مثلاً } في إِنكار البعث بالعَظْم البالي حين فتَّه بيده، وتعجَّب ممن يقول: إِن الله يُحْييه { ونَسِيَ خَلْقَهُ } أي: نَسِيَ خَلْقَنا له، أي: تَرَكَ النَّظَر في خَلْق نفسِه، إِذ خُلِق من نُطْفة. { قال من يُحْيِي العظامَ وهي رَميمٌ }! أي: بالية يقال: رَمَّ العَظْمُ، إِذا بَلِيَ، فهو رَمِيمٌ، لأنه معدول عن فاعله، وكل معدول عن وجهه و وزنه فهو مصروف عن إِعرابه كقوله: { { وما كانتْ أُمُّكِ بَغِْيّاً } [مريم: 28]، فأسقط الهاء لأنها مصروفة عن "باغية"؛ فقاس هذا الكافر قُدرة الله تعالى بقُدرة الخَلْق، فأنكر إِحياء العظم البالي لأن ذلك ليس في مقدور الخَلْق. { قُلْ يُحْييها الذي أَنشأهَا } أي: ابتدأ خَلْقها { أَوَّلَ مَرَّةٍ وهو بكُلِ خَلْقٍ } من الابتداء والإِعادة { عليمٌ }.

{ الذي جَعَلَ لكم مِنَ الشَّجر الأخضر ناراً } قال ابن قتيبة: أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأَعرابُ من شجر المَرْخِ والعَفَار. فإن قيل: لم قال: "الشَّجَرِ الأَخضرِ" ولم يقل: الشَّجَرِ الخُضْر؟

فالجواب: أن الشجر جمع، وهو يؤنَّث ويذكَّر، قال الله تعالى: { { فمالئون منها البُطونَ } [الواقعة: 53]، وقال: { فإذا أنتم منه توقِدونَ }.

ثم ذكر ما هو أعظم من خَلْق الإِنسان، فقال: { أوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرضِ بِقادِرٍ } وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وعاصم الجحدري: { يَقْدِرُ } بياء من غير ألف { على أن يَخْلُقَ مِثْلَهم }؟! وهذا استفهام تقرير؛ والمعنى: مَنْ قَدَرَ على ذلك العظيم، قَدَرَ على هذا اليسير. وقد فسرنا معنى { أن يَخْلُقَ مِثْلَهم } في [بني إسرائيل: 99]؛ ثم أجاب هذا الاستفهام فقال: { بلى وهو الخَلاّقُ } يخلُق خَلْقاً بَعْدَ خَلْق. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعاصم الجحدري: { وهو الخَالِقُ } { العليمُ } بجميع المعلومات. والمَلَكوتُ والمُلْكُ واحد. وباقي السورة قد تقدم شرحه [البقرة: 117، 32، الأنعام: 75].