التفاسير

< >
عرض

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ
٣١
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
٣٢
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
٣٤
إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
٣٥
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ
٣٦
بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٧
إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ
٣٨
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ
٤١
فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ
٤٢
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٤٣
عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
٤٤
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
٤٥
بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
٤٦
لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ
٤٧
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ
٤٨
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ
٤٩
-الصافات

زاد المسير في علم التفسير

ِ

قوله تعالى: { وأَقْبَلَ بَعْضُهم على بَعْضٍ } فيهم قولان:

أحدهما: الإِنس على الشياطين.

والثاني: الأتباع على الرؤساء { يتساءَلُونَ } تسآل توبيخ وتأنيب ولَومْ فيقول الأتباع للرؤساء: [لِمَ] غررتمونا؟ ويقول الرؤساء: لِمَ قَبِلْتُمْ مِنّا؟ فذلك قوله { قالوا } يعنى الأتباع للمتبوعين { إنَّكم كنتم تأتوننا عن اليمين } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: كنتم تَقْهَروننا بقُدرتكم علينا، لأنَّكم كنتم أعزَّ مِنّا، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: من قِبَل الدِّين فتُضِلوُّنا عنه، قاله الضحاك. وقال الزجاج: تأتوننا من قِبَل الدِّين فتخدعونا بأقوى الأسباب.

والثالث: كنتم تُوثِّقون ما كنتم تقولون بَأيْمانكم، فتأتوننا من قِبَل الأيْمان التي تَحْلِفونها. حكاه عليّ بن أحمد النيسابوري. فيقول المتبوعون لهم: { بل لم تكونوا مؤمِنينَ } أي: لم تكونوا على حَقّ فنُضلِّكم عنه، إِنما الكفر من قِبَلكم.

{ وما كان عليكم من سُلطان } فيه قولان:

أحدهما: أنه القَهْر.

والثاني: الحُجَّة. فيكون المعنى على الأول: وما كان لنا عليكم من قُوَّة نَقْهَرُكم بها ونُكْرِهِكُم على مُتابعتنا. وعلى الثاني: لم نأتكم بحُجَّة على ما دعَوْناكم إٍليه كما أتت الرُّسل.

قوله تعالى: { فَحَقَّ علينا قولُ ربِّنا } أي: فوجبت علينا كلمةُ العذاب، وهي قوله { { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [الاعراف: 18] { إنَّا لذائقونَ } العذاب جميعاً نحن وأنتم، { فأَغويناكم } أي، أضلَلْناكم عن الهُدى بدعائكم إلى ما نحن عليه، وهو قوله { إنّا كُنّا غَاوِينَ }.

ثم أخبر عن الأَتباع والمتبوعين بقوله: { فإنَّهم يومَئذٍ في العذاب مُشْترِكونَ }، والمجرِمون هاهنا: المشركون، { إنَّهم كانوا } في الدُّنيا { إذا قيل لهم لا إله إلا اللهُ } أي: قولوا هذه الكلمة { يَسْتَكْبِرون } أي: يَتَعَظَّمُون عن قولها { ويقولون أئنّا لَتَارِكو آلهتِنا } المعنى: أَنَتْرُكُ عبادة آلهتنا { لِشاعرٍ } أي: لاتِّباع شاعر؟! يعنون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ الله عليهم فقال: (بل) أي: ليس الأمر على ما قالوا، بل { جاءَ بالحَقِّ } وهو التوحيد والقرآن. { وصدَّق المُرسَلينَ } الذين كانوا قبله؛ والمعنى: أنه أتى بما أتَوْا به. ثم خاطب المُشركين بما يعد هذا إلى قوله: { إلاّ عبادَ الله المُخْلَصِينَ } يعني الموحِّدين. قال أبو عبيدة: والعرب تقول: إنَّكم لَذاهبون إلاّ زيداً، وفي ما استثناهم منه قولان:

أحدهما: من الجزاء على الأعمال، فالمعنى: إنّا لا نؤاخذهم بسوء أعمالهم، بل نَغْفِرُ لهم، قاله ابن زيد.

والثاني: من دون العذاب؛ فالمعنى: فإنهم لا يذوقون العذاب، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { أولئك لهم رِزْقٌ معلومٌ } فيه قولان:

أحدهما: أنه الجنة، قاله قتادة.

والثاني: أنه الرِّزق في الجنة، قاله السدي.

فعلى هذا، في معنى { معلوم } قولان:

أحدهما: أنه بمقدار الغَداة والعَشِيّ، قاله ابن سائب.

والثاني: أنهم حين يشتهونهُ يؤتَون به، قاله مقاتل.

ثم بيَّن الرِّزق فقال: { فواكهُ } [وهي جمع فاكهة] وهي الثِّمار كلُّها، رَطْبها ويابسها { وهم مُكْرَمون } بما أعطاهم الله. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحجر: 47] إلى قوله { يُطافُ عليهم بكأسٍ مِنْ مَعينٍ } قال الضحاك: كلُّ كأس ذُكِرتْ في القرآن، فإنما عُنيَ بها الخمر، [قال أبو عبيدة: الكأس الإناء بما فيه، والمَعين: الماء الطَّاهر الجاري. قال الزجاج: الكأس الإِناء الذي فيه الخمر]، ويقع الكأسُ على كل إناءٍ مع شرابه، فإن كان فارغاً فليس بكأس، والمَعين: الخمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العُيون.

قوله تعالى: { بيضاءَ } قال الحسن: خمر الجنة أشدُّ بياضاً من اللَّبَن. قال أبو سليمان الدمشقي: ويدل على أنه أراد بالكأس الخمر، أنه قال "بيضاءَ" فأنَّث، ولو أراد الإناء على انفراده، أو الإِناء والخمر، لقال أبيض. وقال ابن جرير: إنما أراد بقوله "بيضاءَ" الكأس، ولتأنيث الكأس أنّثت البيضاء.

قوله تعالى: { لَذَّةٍ } قال ابن قتيبة: أي: لذيذة، يقال: شراب لِذاذ: إِذا كان طَيِّباً. وقال الزجاج: أي: ذات لَذَّة.

{ لا فيها غَوْلُ } فيه سبعة أقوال:

أحدها: ليس فيها صُداع، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: ليس فيها وجع بطن، [رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وابن زيد].

والثالث: ليس فيها صُداع رأس، قاله قتادة.

والرابع: ليس فيها أذى ولا مكروه، قاله سعيد بن جبير.

والخامس: لا تَغتال عقولهم، قاله السدي. وقال الزجاج: لا تَغْتالُ عقولَهم فتذهب بها ولا يُصيبهم منها وجع.

والسادس: ليس فيها إثم، حكاه ابن جرير.

والسابع: ليس فيها شيء من هذه الآفات، لأن كُلَّ مَنْ ناله شيء من هذه الآفات، قيل: قد غالَتْه غُوْل، فالصواب أن يكون نفي الغَوْل عنها يَعُمُّ جميع هذه الأشياء، هذا اختيار ابن جرير.

قوله تعالى: { ولاهم عنها يُنْزَفونَ } قرأ حمزة، والكسائي: بكسر الزاي هاهنا وفي [الواقعة:19]. وفتح عاصم الزاي هاهنا، وكسرها في [الواقعة:19]. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: بفتح الزّاي في السُّورتين، قال الفراء: فمن فتح، فالمعنى: لا تِذهبُ عقولهم بُشربها، يقال للسكران: نَزيف ومَنزوف؛ [ومن] كسر، ففيه وجهان:

أحدهما: لا يُنْفِدون شرابهم، أي: هو دائم أبداً.

والثاني: لا يَسْكَرون، قال الشاعر:

لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ لَبِئْسَ النَّدامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا

قوله تعالى: { وعندهم قاصراتُ الطَّرْفِ } فيه قولان.

أحدهما: أنهنَّ النِّساءُ قد قصرن طَرْفهنَّ على أزواجهنَّ فلا يَنْظُرْنَ إلى غيرهم، وأصل القَصْر: الحبس، قال ابن زيد: إنَّ المرأة منهنَّ لَتقولُ لزوجها: وعِزَّةِ ربِّي ما أرى في الجنَّة شيئاً أحسنَ منكَ، فالحمد لله الذي جعلني زوجكَ وجعلكَ زوجي.

والثاني: أنهنَّ قد قَصَرن طَرْف الأزواج عن غيرهنَّ، لكمال حُسنهنّ، سمعتُه من الشيخ أبي محمد ابن الخشّاب النحوي.

وفي العِين ثلاثة أقوال:

أحدها: حِسانُ العُيون، قاله مجاهد.

والثاني: عِظام الأعيُن، قاله السدي، وابن زيد.

والثالث: كِبار العُيون حِسانُها، وواحدتُهنَّ عَيْناء، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { كأنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنونٌ } في المراد بالبَيْض هاهنا ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه اللؤلؤ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة.

والثاني: بَيْضُ النَّعام، قاله الحسن، وابن زيد، والزجاج. قال جماعة من أهل اللغة: والعرب تُشَبِّه المرأةَ الحسناءَ في بياضها وحُسْن لونها بِبَيْضَة النَّعامة، وهو أحسن ألوان النساء، وهو أن تكون المرأة بيضاءَ مُشَرَّبَةٍ صُفْرَةً.

والثالث: أنه البَيْض حين يُقْشَر قبل أن تَمَسَّه الأيدي، قاله السدي، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وقتادة، وابن جرير.

فأما المكنون، فهو المصون. فعلى القول الأول: هو مكنون في صَدَفِهِ، وعلى الثاني: هو مكنون بريش النَّعام، وعلى الثالث هو مكنون بقشرة.