قوله تعالى: { واذْكُرْ عِبادَنا } وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن، وابن كثير: { عبدَنا }، إِشارة إِلى إِبراهيم، وجعلوا إِسحاق ويعقوب عطفاً عليه، لأنه الأصل وهما ولداه، والمعنى: اذْكُر صبرهم، فإبراهيم أُلقي في النار، وإِسحاق أُضجع للذبح، ويعقوب صبر على ذهاب بصره وابتُلي بفقد ولده؛ ولم يُذْكَر إِسماعيل معهم، لأنه لم يُبْتَلَ كما ابتُلوا.
{ أُولي الأيدي } يعني القوة في الطاعة { والأبصارِ } البصائر في الدِّين والعِلْم. قال ابن جرير: وذِكْر الأيدي مَثَلٌ، وذلك لأن باليد البطش، وبالبطش تُعرف قُوَّة القويِّ، فلذلك قيل للقويِّ: ذو يدٍ، وعنى بالبصر: بصر القلب، وبه تُنال معرفة الأشياء، وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن أبي عبلة: { أُولي الأيدِ } بغير ياءٍ في الحالين. قال الفراء: ولها وجهان:
أحدهما: أن يكون القارئ لهذا أراد الأيدي، فحذف الياء، وهو صواب، مثل الجَوارِ والمناد.
والثاني: أن يكون من القُوَّة والتأييد، من قوله
{ { وَأَيَّدْنَاه بِرُوحِ القُدُسِ } [البقرة: 87]. قوله تعالى: { إِنَّا أَخْلَصْناهم } أي: اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين، فأفردناهم بمُفْرَدة من خصال الخير؛ ثم أبان عنها بقوله: { ذكرى الدار }.
وفي المراد بالدار هاهنا قولان:
أحدهما: الآخرة.
والثاني: الجنة.
وفي الذكرى قولان:
أحدهما: أنها من الذِّكْر، فعلى هذا يكون المعنى: أَخْلَصْناهم بذِكْر الآخرة، فليس لهم ذِكْر غيرها، قاله مجاهد، وعطاء، والسدي. وكان الفُضَيل ابن عِياض رحمة الله عليه يقول: هو الخوف الدائم في القلب.
والثاني: أنها التذكير، فالمعنى: أنهم يَدْعُون الناس إِلى الآخرة وإِلى عبادة الله تعالى. قاله قتادة.
وقرأ نافع { بخالصةِ ذِكْرَى الدَّارِ } فأضاف "خالصة" إِلى "ذِكْرَى الدار".
قال أبو علي: تحتمل قراءة من نوَّن وجهين:
أحدهما: أن تكون "ذكرى" بدلاً من "خالصة"، والتقدير: أخلصناهم بذكر الدار.
والثاني: أن يكون المعنى: أخلصناهم بأن يذكُروا الدَّار بالتأهُّب للآخرة، والزُّهد في الدنيا. ومن أضاف فالمعنى: أخْلَصْناهم بإخلاصهم ذِكْرى الدَّار بالخوف منها. وقال ابن زيد: أخلصناهم بأفضل ما في الجنة.
قوله تعالى: { وإِنهم عندنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ } أي: من الذين اتخذهم اللهُ صَفْوَةً فصفَّاهم من الأدناس { الأخيارِ } الذين اختارهم.
{ واذْكُر إِسماعيلَ والْيَسَعَ وذا الكفل } أي: اذْكُرْهم بفضلهم وصبرهم لِتَسْلُكَ طريقَهم، والْيَسَعُ نبيُّ، واسمه أعجميّ معرَّب، وقد ذكرناه في [الأنعام: 85] وشرحنا في سورة [الأنبياء: 85] قصة ذي الكفل، وتكلمنا في [البقرة: 125] في اسم إِسماعيل، وزعم مقاتل أن إِسماعيل هذا ليس بابن إبراهيم.
قوله تعالى: { هذا ذِكْرٌ } أي: شرف وثناءٌ جميل يُذْكَرون به أبداً { وإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مآبٍ } أي: حُسْنَ مَرْجِعٍ يرجعون إِليه في الآخرة.
ثم بيَّن ذلك المَرْجِع، فقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبوابُ } قال الفراء: إنما رُفعت "الأبوابُ" لأن المعنى: مفتحةً لهم أبوابُها، والعرب تجعل الألف واللام خَلَفاً من الإِضافة، فيقولون: مررت على رَجُلٍ حَسَنِ العَيْنِ، وقبيح الأنف، والمعنى: حسنةٌ عينُه قبيحٌ أنفُه، ومنه قوله تعالى:
{ { فإنَّ الجحيمَ هي المأوى } } [النازعات:39] والمعنى: مأواه. وقال الزجاج: المعنى مُفتَّحة لهم الأبواب منها، فالألف واللام للتعريف، لا للبدل. قال ابن جرير: والفائدة في ذِكْر تفتيح الأبواب، أن الله عز وجل أخبر عنها أن أبوابها تُفتَح لهم بغير فتح سُكَّانها لها بيد، ولكن بالأمر، قال الحسن: هي أبواب تَكلّم فتُكلّم: انفتحي انغلقي. قوله تعالى: { وعِنْدَهم قاصراتُ الطَّرْفِ } قد مضى بيانه في [الصافات: 48]. قال الزجاج: والأتراب: اللواتي أسنانُهُنَّ واحدةٌ وهُنَّ في غاية الشباب والحُسْن.
قوله تعالى: { هذا ما تُوعَدُونَ } قرأ أبو عمرو، وابن كثير بالياء. والباقون بالتاء.
قوله تعالى: { ليَوْمِ الحسابِ } اللام بمعنى "في" والنَّفاد: الانقطاع. قال السدي: كلَّما أُخِذ من رزق الجنة شيءٌ، عاد مِثْلُه.