التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣
قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي
١٤
فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١٥
لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
-الزمر

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ } قال مقاتل: وذلك أن كُفّار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلك على الذي أتيتَنا به؟! ألا تنظُر إِلى مِلَّة آبائك فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية. والمعنى { قل إِنِّي أُمِرْتُ أنْ أعبُد الله مُخْلِصاً له الدِّينَ } أي: أُمِرْتُ أن أعبُدَه على التوحيد والإِخلاص السالم من الشّرك، { وأُمِرْتُ لأَنْ أكونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ } من هذه الأُمَّة.

{ قُلْ إِنِّي أخافُ إِنْ عَصَيْتُ ربِّي } بالرجوع إلى دين آبائي، { عذابَ يَوْمٍ عظيمٍ } وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بيَّنّا في نظيرتها في [الأنعام:15].

{ قُلِ اللهَ أعبُدُ مُخْلِصاً له دِيني } بالتوحيد، { فاعبُدوا ماشِئتُم }، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمراً، كان منسوخاً، فأمّا أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لِنَسْخه.

{ قُلْ إِنَّ الخاسرينَ الذين خَسِروا أنفسُهم } بأن صاروا إِلى النار. (و) خسروا (أهليهم) فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم خَسِروا الحُور العين اللَّواتي أُعْدِدْنَ لهم في الجنة لو أطاعوا، قاله الحسن وقتادة.

والثاني: خَسِروا الأهل في النَّار، إِذ لا أهَل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد.

والثالث: خَسِروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إِذ صاروا إلى النار بكُفرهم، وصار أهلوههم إِلى الجَنَّة بإيمانهم، قاله الماوردي.

قوله تعالى: { لهم مِنْ فَوقهم ظُلَلٌ مِنَ النّار } وهي الأطباق من النار. وإِنما قال: { ومِنْ تحتهم ظُلَلٌ } لأنَّها ظُلَلٌ لِمَنْ تحتَهم (ذلك) الذي وصف اللهُ من العذاب { يُخَوِّفُ اللهُ به عباده } المؤمنين.

قوله تعالى: { والذين اجتَنَبوا الطّاغوتَ } روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نَفَرٍ كانوا في الجاهلية يوحِّدون الله تعالى: زيدِ ابن عمرو بن نُفَيل، وأبي ذَرّ، وسلمان الفارسي، رضى الله عنهم؛ قال { أولئك الذين هداهم اللهُ } بغير كتاب ولا نبيّ.

وفي المراد بالطّاغوت هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: الشياطين، قاله مجاهد.

والثاني: الكهنة، قاله ابن السائب.

والثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا إنما قال: "يعبُدوها" لأنها مؤنَّثة. وقال الأخفش: إنما قال: "يعبُدوها" لأن الطّاغوت في معنى جماعة، وإن شئتَ جعلتَه واحداً مؤنَّثاً. قوله تعالى: { وأنابوا إِلى الله } أي: رجَعوا إِليه بالطّاعة { لهم البُشْرى } بالجنة { فبَشِّر عبادي } بباءٍ، وحرَّك الياء أبوعمرو.

ثم نعتهم فقال { الذين يستمِعونَ القول } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: [أنه] القرآن، قاله الجمهور. فعلى، هذا في معنى { فيَتَّبعونَ أحسنه } أقوال. قد شرحناها في [الأعراف:145] عند قوله { وأمُرْ قَوْمَكَ يأخُذوا بأحسنها }.

والثاني: أنه جميع الكلام. ثم في المعنى قولان:

أحدهما: [أنه الرَّجُل] يَجْلِس مع القوم فيَسْمَع كلامهم، فيَعمل بالمحاسن ويحدِّث بها، ويَكُفُّ عن المساوىء ولايُظْهِرها، قاله ابن السائب.

والثاني: [أنه] لمّا ادَّعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، وأتت الكهنة بالكلام المزخرَف في الأباطيل، فرَّق المؤمنون بين ذلك وبين كلام الله، فاتَّبَعوا كلامَ الله، ورفضوا أباطيل أولئك. قاله أبو سليمان الدمشقي.