التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً
١٠١
-النساء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وإِذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } روى مجاهد عن أبي عياش الزَّرقي قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، [قال]: فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غِرّة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر فيما بين الظهر والعصر. والضرب في الأرض: السفر، والجُناح: الإِثم، والقصر: النقص، والفتنة: القتل. وفي القصر قولان.

أحدهما: أنه القصر مِن عدد الركعات.

والثاني: أنه القصرُ من حدودها. وظاهر الآية يدل على أن القصر لا يجوز إِلا عند الخوف، وليس الأمر كذلك، وإِنما نزلت الآية على غالب أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرها لم يخل عن خوف العدو. وقيل: إِن قوله { أن تقصروا من الصلاة } كلام تام. وقوله: { إِن خفتم } كلامٌ مبتدأ، ومعناه: وإِن خفتم.

واختلف العلماء هل صلاة المسافر ركعتين مقصورة أم لا؟ فقال قوم: ليست مقصورة، وإِنما فرض المسافر ذلك، وهو قول ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، والسدي، وأبي حنيفة، فعلى هذا القول قصر الصلاة أن تكون ركعة ولا يجوز ذلك إِلا بوجود السفر والخوف، لأن عند هؤلاء أن الركعتين في السفر إِذا لم يكن فيه خوفٌ تمام غير قصر، واحتجوا بما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، فصف الناس خلفه صفّين، صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء، إِلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا. وعن ابن عباس أنه قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.

والثاني: أنها مقصورةٌ، وليست بأصل، وهو قول مجاهد، وطاووس، وأحمد، والشافعي. قال يعلى بن أميّة: قلت لعمر بن الخطاب: عجبت من قصر الناس اليوم، وقد أمنوا، وإِنما قال الله تعالى: { إِن خفتم } فقال عمر: عجبتُ مما عجبتَ منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته.

فصل

وإِنما يجوز للمسافر القصر إِذا كان سفرُهُ مُباحاً، وبهذا قال مالك، والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز له القصر في سفر المعصية. فأما مدة الإِقامة التي إِذا نواها أتم الصلاة، وإِن نوى أقلَّ منها، قصر، فقال أصحابنا: إِقامة اثنين وعشرين صلاة. وقال أبو حنيفة: خمسة عشر يوماً. وقال مالك، والشافعي: أربعة أيام.