قوله تعالى: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } قال مقاتل: نزلت في نصارى نجران، السّيد والعاقِب، ومَن معهما. والجمهور على أن المراد بهذه الآية: النصارى. وقال الحسن: نزلت في اليهود والنصارى. والغلو: الإفراط ومجاوزة الحد، ومنه غلا السّعر، وقال الزجاج: الغلو: مجاوزة القدر في الظلم. وغلو النصارى في عيسى: قول بعضهم: هو الله، وقول بعضهم: هو ابن الله، وقول بعضهم: هو ثالث ثلاثة. وعلى قول الحسن غلو اليهود فيه قولهم: إنه لغير رشدة. وقال بعض العلماء: لا تغلوا في دينكم بالزيادة في التشدّد فيه.
قوله تعالى: { ولا تقولوا على الله إِلا الحق } أي: لا تقولوا إِن الله له شريك أو ابن أو زوجة. وقد ذكرنا معنى «المسيح» و«الكلمة» في { آل عمران }.
وفي معنى { وروح منه } سبعة أقوال.
أحدها: أنه روح ٌمن أرواح الأبدان. قال أبيّ بن كعب: لما أخذ الله الميثاق على بني آدم كان عيسى روحاً من تلك الأرواح، فأرسله إِلى مريم، فحملت به.
والثاني: أن الروح النفخ، فسُمّي روحاً، لأنه حدث عن نفخة جبريل في درع مريم. ومنه قول ذي الرمّة:
وَقُلتُ لهُ ارْفعهَا إِليك وأحْيِها بروحِك واقْتَتْه لها قيتَةً قدْرَا
هذا قول أبي رَوق. والثالث: أن معنى { وروحٌ منه } إِنسان حيٌ باحياء الله له.
والرابع: أن الروح: الرحمة، فمعناه: ورحمة منه، ومثله
{ { وأيدهم بروح منه } [المجادلة: 22]. والخامس: أن الروح هاهنا جبريل. فالمعنى: ألقاها الله إلى مريم، والذي ألقاها روحٌ منه. ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو سليمان الدمشقي.
والسادس: أنه سمّاه روحاً، لأنه يحيا به الناس كما يحيون بالأرواح، ولهذا المعنى: سمي القرآن روحاً، ذكره القاضي أبو يعلى.
والسابع: أن الروح: الوحي أوحى الله إلى مريم يبشرها به، وأوحى إِلى جبريل بالنفخ في درعها، وأوحى إِلى ذات عيسى أن: كن فكان. ومثله:
{ { ينزل الملائكة بالروح من أمره } [النحل: 2] أي: بالوحي، ذكره الثعلبي. فأما قوله: «منه» فانه إِضافة تشريفٍ، كما تقول: بيت الله، والمعنى من أمره، ومما يقاربها قوله:
{ { وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه } [الجاثية: 13]. قوله تعالى: { ولا تقولوا ثلاثة } قال الزجاج: رفعه بإضمار: لا تقولوا آلهتُنا ثلاثة { إِنما الله إِله واحد } أي: ما هو إِلا إِلهٌ واحد { سبحانه } ومعنى «سبحانه»: تبرئته مِن أن يكون له ولد. قال أبو سليمان: { وكفى بالله وكيلاً } أي: قيّما على خلقه، مدبراً لهم.