{ ولقد آتينا موسى الهُدى } من الضلالة، يعني التوراة { وأورَثْنا بني إسرائيل الكتابَ } بعد موسى، وهو التوراة أيضا في قول الأكثرين؛ وقال ابن السائب: التوراة والإنجيل والزَّبور. والذِّكرى بمعنى التذكير.
{ فاصْبِر } على أذاهم { إنّ وَعْدَ الله حَقٌّ } في نصرك، وهذه الآية في هذه السورة في موضعين [غافر:55ـ77]، وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف. ومعنى: { سَبّح } صَلِّ.
وفي المراد بصلاة العشيّ والإبكارِ ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس.
والثاني: صلاة الغداة وصلاة العصر، قاله قتادة.
والثالث: أنها صلاة كانت قبل أن تُفرض الصلوات، ركعتان غُدوةً وركعتان عشيَّةً، قاله الحسن.
وما بعد هذا قد تقدم آنفا [المؤمن: 4] إلى قوله: { إنْ في صُدورهم إلاّ كِبرٌ... } الآية نزلت في قريش؛ والمعنى: ما يَحْمِلُهم على تكذيبك إلاّ ما في صدورهم من التكبُّر عليك، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكِبْر؛ لأن الله تعالى مُذِلُّهم { فاستعذ بالله } من شرِّهم؛ ثم نبَّه على قدرته بقوله { لَخَلْقُ السموات والأرض أكبرُ من خَلْقِ الناس } أي: من إعادتهم، وذلك لكثرة أجزائها وعظم جِرْمها، فنبَّههم على قُدرته على إعادة الخَلْق { ولكنَّ أكثر الناس لا يَعلمونَ } يعني الكفار حين لا يستدلُّون بذلك على التوحيد. وقال مقاتل: عظمَّت اليهودُ الدجّالَ وقالوا: إن صاحبنا يُبعَث في آخر الزمان وله سلطان، فقال الله: { إن الذين يجادِلونَ في آيات الله } لأن الدجّال من آياته، { بغير سُلطان } أي: [بغير] حجة، فاستعذ بالله من فتنة الدجّال. قال: والمراد بـ { خَلْق الناس }: الدجّال؛ وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية، والأول أصح.
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: { ادْعُوني أَسْتَجِبْ لكم } فيه قولان.
أحدهما: وحِّدوني واعبُدوني أثِبْكم، قاله ابن عباس.
والثاني: سلوني أُعْطِكم، قاله السدي.
{ إن الذين يَستكبِرونَ عن عبادتي } فيه قولان.
أحدهما: عن توحيد،.
والثاني: عن دعائي ومسألتي { سَيَدْخُلونَ جهنَّم } قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، وعباس بن الفضل عن أبي عمرو: { سيُدْخَلونَ } [بضم الياء]، والباقون بفتحها والدّاخر الصّاغر.
وما بعد هذا قد سبق في مواضع متقرفة [يونس:67] [القصص:73] [الأنعام:95] [النمل:61] [الأعراف:54ـ 29] [الحج:5] إلى قوله { ولِتبلُغوا أجلاً مسمىً } وهو أجل الحياة إلى الموت { ولعلَّكم تَعقِلونَ } توحيدَ الله وقدرتَه.