التفاسير

< >
عرض

وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
١٠
فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
١١
لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٢
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ
١٣
وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
١٤
-الشورى

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وما اختلفتم فيه من شيءٍ } أي: من أمر الدِّين؛ وقيل: بل هو عامّ { فحُكمه إِلى الله } فيه قولان.

أحدهما: علمه عند الله.

والثاني: هو يحكُم فيه. قال مقاتل. وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكُم فيه { ذلكم اللهُ } الذي يحكُم بين المختلفين هو { ربِّي عليه توكلت } في مهمّاتي { وإِليه أُنيب } أي: أرجِع في المَعاد.

{ فاطرُ السموات } قد سبق بيانه [الأنعام:14]، { جعل لكم من أنفُسكم } أي: من مِثل خَلْقكم { أزواجاً } نساءً { ومن الأنعام أزواجاً } أصنافاً ذكوراً وإناثاً، والمعنى أنه خلق لكم الذَّكر والأنثى من الحيوان كلِّه { يذرؤكم } فيها ثلاثة أقوال:

أحدها: يخلُقكم، قاله السدي.

والثاني: يُعيِّشكم، قاله مقاتل.

والثالث: يكثِّركم، قاله الفراء. و[في قوله] (فيه) قولان.

أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون. فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم. فعلى هذا يكون المعنى: يخلُقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة، فقال: يخلُقكم في الرَّحِم أو في الزَّوج، وقال ابن جرير: يخلُقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيِّشكم فيما جعل لكم من الأنعام.

والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد؛ فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض.

والثالث: أنها ترجع إلى الجَعْل المذكور؛ ثم في معنى الكلام قولان.

أحدهما: يعيِّشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل.

والثاني: يخلُقكم في هذا الوجه الذي ذكر مِنْ جَعْلِ الأزواج قاله الواحدي.

والقول الثاني: أن "فيه" بمعنى "به"؛ والمعنى يكثرِّكم بما جعل لكم، قاله الفراء والزجاج.

قوله تعالى: { ليس كمثِّله شيءٌ } قال ابن قتيبة: أي ليس كَهُوَ شيء، والعرب تُقيم المِثْلَ مُقام النَّفْس، فتقول: مِثْلي لا يُقال له هذا، أي: أنا لا يُقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكِّدة، والمعنى: ليس مِثْلَه شيءٌ، وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر: 63] [الرعد: 26] إلى قوله { شَرَعَ لكم } أي: بيَّن وأوضح { من الدِّين ما وصَّى به نُوحاً } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة.

والثاني: تحريم الأخوات والأُمَّهات، قاله الحكم.

والثالث: التوحيد وترك الشِّرك.

قوله تعالى: { والذي أَوحينا إِليكَ } أي: من القرآن وشرائع الإِسلام قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى وقوله: { أَن أَقيموا الدِّين } تفسير قوله: { ما وصَّينا به إِبراهيمَ وموسى وعيسى }، وجائز أن يكون تفسيراً لـ"ما وصَّى به نوحاً" ولقوله: { والذي أَوحينا إِليك } ولقوله: { وما وصَّينا به إِبراهيم وموسى وعيسى }، فيكون المعنى: شرع لكم ولِمَن قبلكم إقامة الدِّين وترك الفُرقة، وشرع الاجتماع على اتِّباع الرُّسل وقال مقاتل: { أن أَقيموا الدِّين } يعني التوحيد { ولا تتفرَّقوا فيه } أي: لا تختلفوا { كَبُرَ على المشركين } أي: عَظُمَ على مشركي مكة { ما تَدْعوهم إِليه } يا محمد من التوحيد.

قوله تعالى: { اللهُ يَجتبي إِليه } أي: يَصطفي من عباده لِدِينه { مَنْ يَشاءُ ويَهدي } إِلى دِينه { من يُنيبُ } أي: يَرجع إِلى طاعته.

ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاهم بترك الفُرقة، فقال: { وما تفرَّقوا } يعني أهل الكتاب { إلاَّ مِنَ بَعْدِ ما جاءهم العِلْمُ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: من بعد كثرة عِلْمهم للبغي.

والثاني: من بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال.

والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغياً منهم على محمد صلى الله عليه وسلم.

{ ولولا كلمةٌ سَبَقَتْ مِنْ ربِّك } في تأخير المكذِّبين من هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، { لَقُضِيَ بينَهم } بإنزال العذاب على المكذِّبين { وإِنَّ الذين أًورثوا الكتاب } يعني اليهود والنصارى { مِنْ بعدِهم } أي: من بعد أنبيائهم { لفي شكٍّ منه } أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.