قوله تعالى: { وجَعلوا الملائكةَ } قال الزجاج: الجَعْل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، نقول: قد جعلتُ زيداً أعلَم الناسِ، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به. قال المفسرون: وجَعْلُهم الملائكة إِناثاً قولُهم: هُنَّ بناتُ الله.
قوله تعالى: { الذين هُمْ عِبادُ الرحمن } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: { عِنْدَ الرحمن } بنون من غير ألف. وقرأ الباقون: { عِبادُ الرحمن }، ومعنى هذه القراءة جعلوا له من عباده بنات والقراءة الأُولى موافقة لقوله
{ { إِنَّ الذين عِْنَد ربِّكَ } [الأعراف: 206] وإِذا كانوا في السماء كان أَبْعَدَ للعِلْم بحالهم { أَشَهِدُوا خَلْقَهم }؟ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: { أَأُشْهِدوا } بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة. وروى المسيّبي عن نافع "أَوُ شْهِدوا" ممدودة من أشْهدْتُ، والباقون لا يُمدُّون. "أشَهِدوا" من شَهِدْتُ، أي: أحَضَروه فعرَفوا أنهم إِناث؟! وهذا توبيخ لهم إِذ قالوا فيما يُعْلَم بالمشاهَدة من غير مشاهَدة { ستُكْتَبُ شهادتُهم } على الملائكة أنها بناتُ الله. وقال مقاتل: لمّا قال الله عز وجل { َأَشِهدوا خَلْقَهم }؟، سُئلوا عن ذلك فقالوا: [لا]. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "فما يُدريكم أنها إِناث"؟ فقالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نَشهد أنهم لم يَكذبوا، فقال الله: { ستُكْتَبُ شهادتُهم ويُسأَلُونَ } عنها في الآخرة. وقرأ أبو رزين، ومجاهد: { سنَكْتُبُ } بنون مفتوحة { شهادتَهم } بنصب التاء. ووافقهم ابن أبي عبلة في "سنَكْتُبُ" وقرأ "شهاداتِهم" بألف.
قوله تعالى: { وقالوا لو شاءَ الرحمنُ ما عَبَدْناهم } في المكنيِّ عنهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة، ومقاتل في آخرين.
والثاني: الأوثان، قاله مجاهد. وإِنما عَنَوْا بهذا أنه لو لم يَرْضَ عبادتَنا لها لعجَّل عقوبتنا، فردَّ عليهم قولهم بقوله: { ما لهم بذلك مِنْ عِلْمٍ } وبعض المفسرين يقول: إِنما أشار بقوله: { مالهم بذلك مِنْ عِلْمٍ } إلى ادِّعائهم أنَّ الملائكة إِناث؛ قال: ولم يتعرَّض لقولهم { لو شاء الرحمن ما عَبَدْناهم } لأنه قول صحيح؛ والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله:
{ { لو شاء اللهُ ما أَشْرَكْنا } } [الانعام: 148] وقوله: { { أنُطْعِمُ مَنْ لو يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ } [يس: 47] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك و{ يَخْرُصُونَ } بمعنى: يكذبون. وإنما كذَّبهم لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر ديناً. { أَمْ آتيناهم كتاباً مِنْ قَبْلِهِ } أي: مِنْ قَبْلِ هذا القرآن، أي بأن يعبدوا غير الله { فهُم به مستمسِكون } يأخذون بما فيه.
{ بل قالوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّة } أي: على سُنَّة ومِلَّة ودِين { وإِنّا على آثارهم مُهْتَدون } فجعلوا أنفُسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حُجَّة؛ ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: { وكذلك } أي: وكما قالوا قال مُتْرَفو القُرى مِنْ قَبْلهم، { وإِنّا على آثارهم مقتدون } بهم.
{ قُلْ أَوَلَوْ جِئتُكم } وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: { قال أَوَلَوْ جِئتُكم } [بألف]. قال أبو علي: فاعل: "قال" النذير، المعنى: فقال لهم النذير. وقرأ أبو جعفر: { أَوَلَوْ جئناكم } بألف ونون( بأهدى) أي: بأصوب وأرشد. قال الزجاج: ومعنى الكلام: قُلْ: أتَّتبعونَ ما وجدتم عليه آباءكم وإِن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إِبطال القول بالتقليد. قال مقاتل: فرَدُّوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا:{ إِنا بما أُرسِلتم به كافرون }؛ ثم رجع إِلى الأُمم الخالية، فقال { فانتَقَمْنا منهم... } الآية.