التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
-الأحقاف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { قل ما كنتُ بِدْعاً من الرُّسُل } أي: ما أنا بأوَّل رسولٍ. والبِدْع والبديع من كل شيء: المبتدأ { وما أَدري ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم } وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: "ما يَفْعَلُ" بفتح الياء ثم فيه قولان:

أحدهما: أنه أراد بذلك ما يكون في الدنيا. ثم فيه قولان:

أحدهما: [أنه] لمّا اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام أنه هاجر إلى أرضٍ ذاتِ نخلٍ وشجرٍ وماءٍ، فقصَّها على أصحابه، فاستبشَروا بذلك لما يلقَون من أذى المشركين. ثم إِنهم مكثوا بُرهة لا يرَوْن ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تُهاجِر إلى الأرض التي رأيتَ؟ فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وما أدري ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم } يعني: لا أدري، أخرُجُ إِلى الموضع الذي رأيتُه في منامي أم لا؟ ثم قال: إِنما هو شيء رأيتُه في منامي، وما { أتَّبع إِلاّ ما يوحَى إِليَّ }، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وكذلك قال عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يُخرجني منها.

والثاني: ما أدري هل أُخْرَج كما أُخْرج الأنبياءُ قَبْلي، أو أُقْتَل كما قُتِلوا، ولا أدري ما يُفْعَل بكم، أتعذَّبونَ أم تؤخَّرونَ؟ أتُصدَّقونَ أم تُكذَّبونَ؟ قاله الحسن.

والقول الثاني: أنه أراد ما يكون في الآخرة. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لمّا نزلتْ هذه الآية، نزل بعدها { { لِيَغْفِرَ لكَ اللهُ ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخَّر } [الفتح: 2] وقال: { { ليِدُخِلْ المؤمِنينَ والمؤمِناتِ جنّات } الآية [الفتح: 5] فأُعلم ما يُفْعَل به وبالمؤمنين. وقيل: إن المشركين فرحوا عند نزول هذه الآية وقالوا: ما أمْرُنا وأمْرُ محمد إلاّ واحد، ولولا أنه ابتدع ما يقوله لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزل قوله: { { لِيَغْفِرَ لكَ اللهُ... } الآية [الفتح: 2]، فقال الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، فماذا يُفْعَل بنا؟ فنزلت { { لِيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمناتِ جنّاتٍ } الآية [الفتح: 5]؛ وممن ذهب إِلى هذا القول أنس، وعكرمة، وقتادة. وروي عن الحسن ذلك.

قوله تعالى: { قُلْ أرأيتُم إِنْ كان مِنْ عِنْدِ اللهِ } يعني القرآن { وكَفَرْتُم به وشَهدَ َشاهدٌ مِنْ بني إِسرائيل } وفيه قولان:

أحدهما: أنه عبد الله بن سلام، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.

والثاني: أنه موسى بن عمران عليه السلام، قاله الشعبي، ومسروق.

فعلى القول الأول يكون ذكر المثل صلة، فيكون المعنى: وشهد شاهد من بني إِسرائيل عليه، أي: على أنه من عند الله، { فآمن } الشاهد، وهو ابن سلام { واستَكْبرتُم } يا معشر اليهود.

وعلى الثاني: يكون المعنى: وشَهِد موسى على التوراة التي هي مِثْل القرآن أنها من عند الله، كما شهد محمد على القرآن أنه كلام الله، "فآمن" مَنْ آمن بموسى والتوراة "واستَكْبرتُم" أنتم يا معشر العرب أن تؤمِنوا بمحمد والقرآن.

فإن قيل: أين جواب "إِنْ"؟ قيل: هو مُضْمَر؛ وفي تقديره ستة أقوال:

أحدها: أن جوابه: فَمنْ أَضَلُّ منكم، قاله الحسن.

والثاني: أن تقدير الكلام: وشَهِدَ شاهدٌ من بني إِسرائيل على مثله فآمن، أتؤمِنون؟ قاله الزجاج.

والثالث: أن تقديره: أتأمنون عقوبة الله؟ قاله أبو علي الفارسي.

والرابع: أن تقديره: أفما تهلكون؟ ذكره الماوردي.

والخامس: مَن المُحِقُّ مِنّا ومِنكم ومَن المُبْطِل؟ ذكره الثعلبي.

والسادس: أن تقديره: أليس قد ظَلَمْتُمْ؟ ويدُلُّ على هذا المحذوف قوله: { إِنَّ الله لا يَهْدِي القومَ الظالمين }، ذكره الواحدي.