التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
٣٥
إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ
٣٦
إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
٣٧
هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم
٣٨
-محمد

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فلا تَهِنُوا } أي: فلا تَضْعُفوا { وتَدْعوا إِلى السَّلْم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: { إِلى السَّلْم } بفتح السين؛ وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: بكسر السين، والمعنى: لا تَدْعُوا الكفار إِلى الصلح ابتداءاً. وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز طلب الصُّلح من المشركين، و دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة صلحاً، لأنه نهاه عن الصُّلح.

قوله تعالى: { وأنتم الأعْلَوْنَ } أي: أنتم أعزُّ منهم، والحُجَّة لكم، وآخِرُ الأمر لكم وإِن غَلَبوكم في بعض الأوقات { واللهُ معكم } بالعَوْن والنُّصرة { ولن يَتِرَكُمْ } قال ابن قتيبة: أي: لن يَنْقُصَكم ولن يَظْلِمَكم، يقال وتَرْتَني حَقِّي، أي بَخسْتَنِيه. قال المفسرون: المعنى: لن يَنْقُصَكم من ثواب أعمالكم شيئا.

قوله تعالى: { ولا يَسألْكم أموالكم } أي: لن يَسألَكُموها كُلَّها.

قوله تعالى: { فيُحْفِكُم } قال الفراء: يُجْهِدكم. وقال ابن قتيبة: يُلِحّ عليكم بما يوجبه في أموالكم { تبخلوا }، يقال: أحْفاني بالمسألة وألحْف: إِذا ألحَّ. وقال السدي: إِن يسألْكم جميعَ ما في أيديكم تبخلوا.

{ ويُخْرِجْ أضغانَكم } وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن يعمر: { ويُخْرَج } بياء مرفوعه وفتح الراء { أضغانُكم } بالرفع. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رزين، وعكرمة، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري: { وتَخْرُج } بتاء مفتوحة ورفع الراء { أضغانُكم } بالرفع. وقرأ ابن مسعود، والوليد عن يعقوب: { ونُخْرِج } بنون مرفوعة وكسر الراء { أضغانَكم } بنصب النون، أي يُظهر بُغضَكم وعداوتَكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه فرض عليكم يسيراً.

وفيمن يضاف إِليه هذا الإِخراج وجهان:

أحدهما: إِلى الله عز وجل.

والثاني: البخل، حكاهما الفراء. وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وليس بصحيح، لأنّا قد بيَّنّا أن معنى الآية: إن يسألْكم جميعَ أموالكم؛ والزكاة لا تنافي ذلك.

قوله تعالى: { ها أنتم هؤلاء تَدْعَوْنَ لِتُنْفِقوا في سبيل الله } يعني ما فرض عليكم في أمولكم { فمنكم من يَبْخَلُ } بما فُرض عليه من الزكاة { ومَنْ يَبْخَلْ فإنما يَبْخَلُ عن نَفْسه } أي: على نفسه بما ينفعٌها في الآخرة { واللهُ الغنيُّ } عنكم وعن أموالكم { وأنتم الفقراء } إِليه إلى ما عنده من الخير والرحمة { وإن تتولَّوا } عن طاعته { يَسْتَبْدِلْ قوْماً غيرَكم } أطوعُ له منكم { ثُمَّ لا يكونوا أمثالكم } بل خيراً منكم. وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال:

أحدها: أنهم العجم، قاله الحسن، وفيه حديث يرويه أبو هريرة قال: لمّا نزلت { وإِن تتولَّوا يَسْتَبْدِلْ قوْماً غيرَكم } كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، مَنْ هؤلاء الذين إذا تولَّينا استُبْدِِلوا بنا؟ فضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [يدَه] على مَنْكِب سلمان، فقال: "هذا وقومُه، والذي نفسي بيده، لو أن الدِّين معلَّق بالثُّريَّا لتناوله رجال من فارس".

والثاني: فارس والروم، قاله عكرمة.

والثالث: من يشاء من جميع الناس، قاله مجاهد.

والرابع: يأتي بخلق جديد غيركم. وهو معنى قول قتادة.

والخامس: كندة والنخع، قاله ابن السائب.

والسادس: أهل اليمن، قاله راشد بن سعد، وعبد الرحمن بن جبير، وشريح بن عبيد.

والسابع: الأنصار، قاله مقاتل.

والثامن: أنهم الملائكة، حكاه الزجاج وقال: فيه بُعْدٌ [لأنه] لا يقال للملائكة "قَوْمٌ" إِنما يقال ذلك للآدميين، قال: وقد قيل: إن تولَّى أهلُ مكَّة استَبْدَلَ اللهُ بهم أهلَ المدينة، وهذا [معنى] ما ذكَرْنا عن مقاتل.