التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٥٤
-المائدة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { من يرتد منكم عن دينه } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: يرتدَّ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى، وقرأ نافع، وابن عامر: يرتدد، بدَّالين. قال الزجاج: «يرتدد» هو الأصل، لأن الثاني إِذا سُكِّن مِن المضاعف، ظهر التضعيف. فأما «يرتد» فأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحرِّكت الثانية بالفتح، لالتقاء الساكنين. قال الحسن: علم الله أن قوماً يرجعون عن الإِسلام بعد موت نبيهم عليه السلام، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يُحبّهم ويحبُّونه وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال.

أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الرّدَّة، قاله علي بن أبي طالب، والحسن عليهما السلام، وقتادة، والضحاك، وابن جريج. قال أنس ابن مالك: كرهت الصحابة قتال مانِعي الزكاة، وقالوا: أهل القبلة، فتقلَّد ابو بكر سيفه، وخرج وحده، فلم يجدوا بُداً من الخروج على أثره.

والثاني: أبو بكر، وعمر، روي عن الحسن، أيضاً.

والثالث: أنهم قومُ أبي موسى الأشعري، روى عياض الأشعري أنه " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم قوم هذا يعني: أبا موسى" .

والرابع: أنهم أهل اليمن، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.

والخامس: أنهم الأنصار، قاله السدي.

والسادس: المهاجرون والأنصار، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قال ابن جرير: وقد أنجز الله ما وَعَد فأتى بقومٍ في زمن عمر كانوا أحسن موقعاً في الإِسلام ممّن ارتد.

قوله تعالى: { أذلة على المؤمنين } قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أهل رِقَّة على أهل دينهم، أهل غِلظةٍ على من خالفهم في دينهم. وقال الزجاج: معنى «أذلة»: جانبهم ليّن على المؤمنين، لا أنهم أذلاّءُ. { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } لأن المنافقين يراقبون الكفار، ويظاهرونهم، ويخافون لومهم، فأعلم الله عز وجل أن الصحيحَ الإِيمان لا يخاف في الله لومة لائم، ثم أعلم أن ذلك لا يكون إِلا بتوفيقه، فقال { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } يعني: محبتهم لله، ولين جانبهم للمسلمين، وشدّتهم على الكافرين.