قوله تعالى: { من يرتد منكم عن دينه } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: يرتدَّ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى، وقرأ نافع، وابن عامر: يرتدد، بدَّالين. قال الزجاج: «يرتدد» هو الأصل، لأن الثاني إِذا سُكِّن مِن المضاعف، ظهر التضعيف. فأما «يرتد» فأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحرِّكت الثانية بالفتح، لالتقاء الساكنين. قال الحسن: علم الله أن قوماً يرجعون عن الإِسلام بعد موت نبيهم عليه السلام، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يُحبّهم ويحبُّونه وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال.
أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الرّدَّة، قاله علي بن أبي طالب، والحسن عليهما السلام، وقتادة، والضحاك، وابن جريج. قال أنس ابن مالك: كرهت الصحابة قتال مانِعي الزكاة، وقالوا: أهل القبلة، فتقلَّد ابو بكر سيفه، وخرج وحده، فلم يجدوا بُداً من الخروج على أثره.
والثاني: أبو بكر، وعمر، روي عن الحسن، أيضاً.
والثالث: أنهم قومُ أبي موسى الأشعري، روى عياض الأشعري أنه
" لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم قوم هذا يعني: أبا موسى" . والرابع: أنهم أهل اليمن، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والخامس: أنهم الأنصار، قاله السدي.
والسادس: المهاجرون والأنصار، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قال ابن جرير: وقد أنجز الله ما وَعَد فأتى بقومٍ في زمن عمر كانوا أحسن موقعاً في الإِسلام ممّن ارتد.
قوله تعالى: { أذلة على المؤمنين } قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أهل رِقَّة على أهل دينهم، أهل غِلظةٍ على من خالفهم في دينهم. وقال الزجاج: معنى «أذلة»: جانبهم ليّن على المؤمنين، لا أنهم أذلاّءُ. { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } لأن المنافقين يراقبون الكفار، ويظاهرونهم، ويخافون لومهم، فأعلم الله عز وجل أن الصحيحَ الإِيمان لا يخاف في الله لومة لائم، ثم أعلم أن ذلك لا يكون إِلا بتوفيقه، فقال { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } يعني: محبتهم لله، ولين جانبهم للمسلمين، وشدّتهم على الكافرين.