قوله تعالى: {وفي موسى} اي: وفيه ايضاً آية {إذ أَرسلْناه إلى فرعون بسُلطان مُبِينٍ} اي: بحُجَّة ظاهرة {فتولَّى} اي: أعرَضَ {بِرُكْنه} قال مجاهد: بأصحابه. وقال ابو عبيدة: «بِرُكْنه» و«بجانبه» سواء، إنما هي ناحيته، {وقال ساحرٌ}: اي وقال لموسى: هذا ساحر {أو مجنونٌ} وكان أبو عبيدة يقول «أو» بمعنى الواو. فأمّا «الَيمُّ» فقد ذكرناه في [الأعراف: 136] و«مُليم» في [الصافات: 142].
قوله تعالى: {وفي عاد} اي: في إهلاكهم آية ايضاً {إذ أَرسلْنا عليهم الرِّيحُ العَقيم} وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً، وإنما هي للإهلاك. وقال سعيد بن المسيّب: هي الجَنُوب.
{ما تَذَر من شيء أَتَتْ عليه} أي: من أنفُسهم وأموالهم {إلا جَعلتْه كالرَّميم} اي: كالشيء الهالك البالي. قال الفراء: الرَّميم: نبات الأرض إذا يَبِس وَدِيس. وقال الزجاج: الرَّميم: الورَق الجافّ المتحطِّم مثل الهشيم.
{وفي ثمودَ} آيةٌ ايضاً {إذ قيل لهم تَمتَّعوا حتَّى حِين} فيه قولان.
أحدهما: أنه قيل لهم: تَمتَّعوا في الدُّنيا إلى وقت انقضاء آجالكم تهدُّداً لهم.
والثاني: أن صالحاً قال لهم بعد عَقْر النّاقة: تَمتَّعوا ثلاثة أيام؛ فكان الحِين وقتَ فناء آجالهم، {فَعتْوا عن أَمْر ربِّهم} قال مقاتل: عصوا أَمْره {فأخذَتْهم الصاعقة} يعني العذاب، وهو الموت من صيحة جبريل. وقرأ الكسائي وحده «الصَّعْقةُ» [بسكون العين من غير الف]؛ وهي الصَّوت الذي يكون عن الصاعقة.
قوله تعالى: {وهم ينظُرونَ} فيه قولان.
أحدهما: يَرَوْن ذلك عِياناً. والثاني: وهم يَنتظرون العذاب، فأتاهم صيحةٌ يومَ السبت.
قوله تعالى: {فما استطاعوا من قيام} فيه قولان.
أحدهما: ما استطاعوا نُهوضاً من تلك الصَّرعة.
والثاني: ما أطاقوا ثُبوتاً لعذاب الله. {وما كانوا منتصِرين} أي: ممتنعين من العذاب.
قوله تعالى: {وقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} قرأ أبو عمرو إلاّ عبد الوارث، وحمزة، والكسائي: بخفض الميم، وروى عبد الوارث رفع الميم، والباقون بنصبها. قال الزجاج: من خفض القوم فالمعنى: وفي قومِ نوحٍ آيةٌ، ومن نصب فهو عطف على معنى قوله «فأخذتْهم الصّاعقةُ» فإن معناه: أهلكْناهم، فيكون المعنى: وأهلَكْنا قومَ نوح، والأحسن ـ والله أعلم ـ أن يكون محمولاً على قوله «فأخذْناه وجنوده فنبذنْاهم في اليمِّ» لأن المعنى: أغرقناه، وأغرقْنا قومَ نوح.
{والسماء بنيناها} المعنى: وبنينا السماء بنيناها {بأَيْدٍ} أي: بقْوَّة، وكذلك قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وسائر المفسرين واللغويين «بأيد» اي: بقُوَّة.
وفي قوله: {وإنّا لَموسِعونَ} خمسة أقوال.
أحدها: لموسِعون الرِّزق بالمطر، قاله الحسن. والثاني: لموسِعون السماء، قاله ابن زيد. والثالث: لقادرون، قاله ابن قتيبة. والرابع: لموسِعون ما بين السماء والأرض، قاله الزجاج. والخامس: لذو سعة لا يضيق عمّا يريد، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {والأرض فرشناها فنِعْم الماهدون} قال الزجاج: هذا عطفٌ على ما قبله منصوبٌ بفعل مُضْمر محذوف يدلُّ عليه قوله: «فرشْناها»، فالمعنى: فرشْنا الأرض فرشْناها «فنِعْم الماهدون» أي: فنِعْم الماهدون نحن. قال مقاتل: «فرشْناها» أي: بسطْناها مسيرة خمسمائة عام، وهذا بعيد. وقد قال قتادة: الأرضُ عشرون ألف فرسخ، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {ومِنْ كُلِّ شيء خَلقْنا زوجين}، اي: صِنفين ونَوعَين كالذكر والأنثى، والبرِّ والبحر والليِّل والنَّهار، والحُلو والمُرِّ، والنُّور والظُّلمة، وأشباه ذلك {لعلَّكم تذكَّرون} فتعلْموا أن خالق الأزواج واحد.
{ففِرُّوا إلى الله} بالتَّوبة من ذنوبكم؛ والمعنى: اهْرُبوا ممّا يوجِب العِقاب من الكُفر والعِصيان إلى ما يوجِب الثَّواب من الطَّاعة والإيمان.