التفاسير

< >
عرض

فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ
٢٩
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ
٣١
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٣٢
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
-الطور

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فذكِّر } أي: فَعِظ بالقرآن { فما أنت بنعمة ربِّك } أي: بإنعامه عليك بالنبوَّة { بكاهنٍ } وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويُخْبِر عمّا في غد من غير وحي. والمعنى: إنما تَنْطِق بالوحي لا كما يقول [فيك] كفار مكة.

{ أم يقولون شاعرٌ } أي: هو شاعر. وقال أبو عبيدة: «أم» بمعنى «بل» قال الأخطل:

كَذَبتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِواسِطٍ غَلَسَ الْظَّلامِ مِنَّ الرَّبابِ خَيالاَ

لم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.

قوله تعالى: { نَتربَّصُ به رَيْبَ المَنون } فيه قولان:

أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس.

والثاني: حوادث الدهر، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة: حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، و«المَنون» الدهر، قال أبو ذؤيب:

أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ والدَّهْرُ ليْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

هكذا أنشدنَاه أصحابُ الأصمعيّ عنه، وكان يذهب إلى أن المَنونَ الدَّهْرُ، قال: وقوله «والدَّهْرُ ليس بمُعْتِبٍ» يدُلُّ على ذلك، كأنه قال: «أمِنَ الدِّهْرُ ورَيْبِهِ تتَوَجَّعُ؟!» قال الكسائيُّ: العرب تقول: لا أكلِّمك آخِرَ المَنون، أي: آخِرَ الدَّهْر.

قوله تعالى: { قُلْ تربَّصوا } أي: انتظِروا بي ذلك { فإني معكم من المتربِّصين } أي: من المُنتظِرين عذابَكم، فعُذِّبوا يومَ بدر بالسيف. وبعض المفسرين يقول: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، إِذ لاتضَادَّ بين الآيتين.

قوله تعالى: { أمْ تأمُرُهم أحلامُهم بهذا } قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصَف بالأحلام، وهي العُقول، فأزرى اللهُ بحُلومهم، إذ لم تُثمِر لهم معرفةَ الحق من الباطل. وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومِك لم يؤمِنوا وقد وصفهم اللهُ تعالى بالعُقول؟! فقال: تلك عُقول كادها بارئُها، أي: لمْ يَصْحَبْها التَّوفيقُ.

وفي قوله: «أَمْ تأمُرُهم» وقوله: { أَمْ هُمْ } قولان.

أحدهما: أنهما بمعنى «بل»، قاله أبو عبيدة.

والثاني: بمعنى ألف الاستفهام، قاله الزجاج؛ قال: والمعنى: أتأمُرُهم أحلامُهم بترك القَبول ممَّن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدَّلائل، أم يكفُرون طُغياناً وقد ظهر لهم الحق؟! وقال ابن قتيبة: المعنى: أم تدُلُّهم عقولُهم على هذا؟! لأن الحِلم يكون بالعقل، فكني عنه به.

قوله تعالى: { أَمْ يقولون تقوَّله } أي: افتَعَل القرآنَ من تِلقاء نَفْسه؟ والتَّقوُّل: تكلُّف القول، ولا يستعمل إلاّ في الكذب { بّلْ } أي: ليس الأمر كما زعموا { لا يؤمِنون } بالقرآن، استكباراً.

{ فَلْيأتوا بحديثٍ مِثلِه } في نَظْمه وحُسن بيانه. وقرأ أبو رجاء، وأبو نهيك، ومورّق العجلي، وعاصم الجحدري: «بحديثِ مِثْلِه» بغير تنوين { إن كانوا صادقِين } أن محمداً تقوَّله.