{وأنَّ إلى ربِّك المُنتهى} أي: مُنتهى العباد ومَرجِعهُم. قال الزجاج: هذا كُلُّه في صحف إبراهيم وموسى.
قوله تعالى: {وأنَّه هو أضْحك وأبْكى} قالت عائشة:
"مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوم يضحكون، فقال: لو تَعْلَمونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيتم كثيراً" ، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فرجع إليهم، فقال: ما خطَوْتُ أربعينَ خطوة حتى أتاني جبريل، فقال: إئت هؤلاء فقُل لهم: إن الله يقول: وأنَّه هو أضحك وأبْكى، وفي هذا تنبيه على أن جميع الأعمال بقضاء الله وقدره حتى الضحك والبُكاء. وقال مجاهد: أضْحكَ أهلَ الجَنَّة، وأبكى أهل النّار. وقال الضحاك: أضْحَك الأرض بالنبات. وأبكى السماءَ بالمطر. قوله تعالى: {وأنَّه هو أمات} في الدُّنيا {وأحْيا} للبعث.
{وأنَّه خَلَق الزَّوجَين} أي: الصِّنفين {الذَّكر والأنثى} من جميع الحيوانات، {مِنْ نُطْفة إذا تُمْنى} فيه قولان.
أحدهما: إذا تُراق في الرَّحِم، قاله ابن السائب.
والثاني: إذا تُخْلق وتُقَدَّر، {وأنَّ عليه النَّشْأةَ الأخْرى} وهي الخَلْق الثاني للبعث يوم القيامة.
{وأنَّه هو أغْنى} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أغنى بالكفاية، قاله ابن عباس.
والثاني: بالمعيشة، قاله الضحاك.
والثالث: بالأموال، قاله أبو صالح.
والرابع: بالقناعة، قاله سفيان.
وفي قوله: {أقنى} ثلاثة أقوال:
أحدها: أرْضى بما أعطى، قاله ابن عباس.
والثاني: أخْدم، قاله الحسن، وقتادة، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: جعل للإنسان قِنْيَةً، وهو أصل مال، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {وأنَّه هو ربُّ الشِّعْرى} قال ابن قتيبة: هو الكوكب الذي يطْلُع بعد الجَوْزاء، وكان ناس من العرب يعبُدونها.
قوله تعالى: {وأنَّه أهلك عاداً الأولى} قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «عاداً الأولى» منوَّنة. وقرأ نافع، وأبو عمرو: «عاداً لُولى» موصولة مدغمة. ثم فيهم قولان.
أحدهما: أنهم قوم هود، وكان لهم عقب فكانوا عاداً الأخرى، هذا قول الجمهور.
والثاني: أن قوم هود هم عادٌ الأخرى، وهم من أولاد عادٍ الأولى، قاله كعب الأحبار. وقال الزجاج: وفي «الأولى» لغات، أجودها سكون اللام وإثبات الهمزة، والتي تليها في الجودة ضم اللام وطرح الهمزة، ومن العرب من يقول: لُولى، يريد: الأُولى، فتطرح الهمزة لتحرّك اللاّم.
قوله تعالى: {وقومَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} أي: مِن قَبْل عادٍ وثمودَ {إنَّهم كانوا هُمْ أظلمَ وأطغى} من غيرهم، لطول دعوة نوح إيّاهم، وعتوّهم.
{والمُؤتفِكةُ} قُرى قوم لوط {أهوى} [أي]: أسقط، وكان الذي تولَّى ذلك جبريل بعد أن رفعها، وأتبعهم اللهُ بالحجارة، فذلك قوله: {فغشّاها} أي: ألبسها {ما غشَّى} يعني الحجارة {فبأيِّ آلاءِ ربِّكَ تتمارى} هذا خطاب للإنسان، لمّا عدَّد اللهُ ما فعله ممّا يَدلُّ على وحدانيَّته قال: فبأيِّ نِعم ربِّك التي تدُلُّ على وحدانيَّته تتشكَّك؟ وقال ابن عباس: فبأي آلاءِ ربِّك تكذِّب يا وليد، يعني [الوليد] بن المغيرة.