وهي مكيَّة بإجماعهم، وقال مقاتل: مكِّيَّة غير آية
{ سيُهْزمُ الجَمْعُ } [القمر: 45]، وحكي عنه أنه قال: إلاّ ثلاث آيات، أولها: { أم يقولون نحنُ جميعٌ مْنتَصِرٌ } [القمر:44] إلى قوله { وأمَرُّ } [القمر: 46]، قال ابن عباس: "اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً فشُقَّ لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فعلتُ تؤمنون؟ قالوا: نعم، فسأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه أن يُعطيَه ما قالوا، فانشقَّ القمر فرقتين، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا فلان يا فلان اشْهَدوا" وذلك بمكة قبل الهجرة. وقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث ابن مسعود قال: "انشقَّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقَّتين، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اشْهَدوا" وقد روى حديث الانشقاق جماعةٌ، منهم عبد الله بن عمر، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعلى هذا جميع المفسرين، إلاّ أن قوماً شذُّوا فقالوا: سيَنْشَقُّ يوم القيامة. وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع، ولأن قوله: {وانْشَقَّ} لفظ ماض، وحَمْلُ لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجوداً. وفي قوله: «وإن يَروا آيةً يُعْرضوا» دليل على أنه قد كان ذلك. ومعنى {اقْتَربَت}: دنَتْ؛ و{الساعةُ} القيامة. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، تقديره: انشقَّ القمر واقتربت الساعة. وقال مجاهد: انشقَّ القمر فصار فِرقتين، فثبتت فِرقة، وذهبت فِرقة وراء الجبل. وقال ابن زيد: لمّا انشقَّ القمر كان يُرى نصفُه على قُعيَقِعَانَ، والنصف الآخر على أبي قُبيس. قال ابن مسعود: لمّا انشقَّ القمر قالت قريش: سحركم ابن أَبي كبشة، فاسألوا السُّفَّار، فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل اللهُ عز وجل: «اقتربتِ السّاعةُ وانشَقَّ القمر». قوله تعالى: {وإنْ يروا آيةً} أي: آية تدُلُّهم على صدق الرسول، والمراد بها هاهنا: انشقاق القمر {يُعْرضوا} عن التصديق {ويقولوا سِحْرٌ مستمرٌّ} فيه ثلاثة أَقوال.
أحدها: ذاهبٌ، من قولهم: مَرَّ الشيءُ واستمرَّ: إذا ذهب، قاله مجاهد، وقتادة، والكسائي، والفراء؛ فعلى هذا يكون المعنى: هذا سِحر، والسِّحر يذهب ولا يثبت.
والثاني: شديدٌ قويٌّ، قاله أبو العالية، والضحاك، وابن قتيبة، قال: وهو مأخوذ من المِرَّة، والمِرَّة: الفَتْل.
والثالث: دائمٌ، حكاه الزجّاج.
قوله تعالى: {وكذَّبوا} يعني كذَّبوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وما عاينوا من قُدرة الله تعالى {واتَّبَعوا أَهواءَهم} ما زيَّن لهم الشيطانُ {وكُلُّ أمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن كُلَّ أمْر مستقِرٌّ بأهله، فالخير يستقِرُّ بأهل الخير، والشر يستقِرُّ بأهل الشر، قاله قتادة.
والثاني: لكل حديثٍ مُنتهىً وحقيقةٌ، قاله مقاتل.
والثالث: أن قرار تكذيبهم مستقِرّ، وقرار تصديق المصدِّقين مستقِرّ حتى يعلموا حقيقته بالثواب والعقاب، قاله الفراء.
قوله تعالى: {ولقد جاءهم} يعني أهل مكة {مِنَ الأنباء} أي: من أخبار الأُمم المكذِّبة في القرآن {ما فيه مُزْدَجَرٌ} قال ابن قتيبة: أي: مُتَّعَظٌ ومُنتهىً.
قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بالغةٌ} قال الزجّاج: هي مرفوعة لأنها بدل من «ما» فالمعنى: ولقد جاءهم حكمةٌ بالغةٌ [وإن شئت رفعتهما بإضمار: هو حكمة بالغة]. و«ما» في قوله {فما تُغْنِ النُّذُرُ} جائز أن يكون استفهاماً بمعنى التوبيخ، فيكون المعنى: أيّ شيء تُغْني النُّذُر؟! وجائز أن يكون نفياً، على معنى، فليست تُغْني النُّذُر. قال المفسرون: والمعنى: جاءهم القرآن وهو حِكْمة تامَّة قد بلغت الغاية، فما تُغُني النُّذُر إذا لم يؤمِنوا؟!.