التفاسير

< >
عرض

ٱلرَّحْمَـٰنُ
١
عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ
٢
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ
٣
عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ
٤
ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
٥
وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ
٦
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ
٧
أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ
٨
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ
١٠
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ
١١
وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ
١٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٣
-الرحمن

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { الرَّحْمنُ. علَّم القُرآنَ } قال مقاتل: لمّا نزل قوله: { اسْجُدوا للرَّحْمنِ } [الفرقان:60] قال كُفّار مكَّةَ: وما الرَّحْمنُ؟! فأَنكروه وقالوا: لا نَعرِفُ الرحْمنَ، فقال تعالى: { الرَّحْمنُ } الذي أَنكروه هو الذي «علَّم القُرآنَ».

وفي قوله: { علَّم القُرآنَ } قولان.

أحدهما: علَّمه محمداً، وعلَّم محمدٌ أُمَّته قاله ابن السائب.

والثاني: يسَّر القرآنَ، قاله الزجّاج.

قوله تعالى: { خَلَقَ الإِنسانَ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه اسم جنس، فالمعنى: خلق الناسَ جميعاً، قاله الأكثرون. فعلى هذا، في «البيان» ستة أقوال.

أحدها: النُّطق والتَّمييز، قاله الحسن. والثاني: الحلال والحرام، قاله قتادة. والثالث: ما يقول وما يُقال له، قاله محمد بن كعب. والرابع: الخير والشر، قاله الضحاك. والخامس: [طُرق] الهُدى، قاله ابن جريج. والسادس: الكتابة والخط، قاله يمان.

والثاني: أنه آدم، قاله ابن عباس، وقتادة. فعلى هذا في «البيان» ثلاثة أقوال. أحدها: أسماء كل شيء. والثاني: بيان كل شيء. والثالث: اللّغات.

والقول الثالث: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، علَّمه بيانَ ما كان وما يكون، قاله ابن كيسان.

قوله تعالى: { الشَّمْسُ والقمرُ بحُسْبانٍ } أي بحساب ومنازل، لا يَعْدُوانها؛ وقد كشَفْنا هذا المعنى في [الأنعام:96]. قال الأخفش: أضمر الخبر، وأظُنُّه ـ والله أعلَمُ ـ أراد: يَجريان بحُسبان.

قوله تعالى: { والنَّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ } في النَّجْم قولان. أحدهما: أنه كُلُّ نَبْتٍ ليس له ساق، وهو مذهب ابن عباس، والسدي، ومقاتل، واللُّغويين. والثاني: أنه نَجْم السَّماء، والمُراد به: جميعُ النُّجوم، قاله مجاهد. فأمّا الشَّجَرَ: فكُلُّ ما له ساق. قال الفراء: سُجودهما: أنَّهما يستقبِلان الشمسَ إذا أشرقت، ثم يَميلان معها حتى ينكسر الفَيْىءُ. وقد أشرت في [النحل:49] إلى معنى سُجود مالا يَعْقِل. قال أبو عبيدة: وإنّما ثني فعلهما على لفظهما.

قوله تعالى: { والسماءَ رفَعَها } وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتدَّ الأنفاس، وأجرى الرِّيح بينها وبين الأرض، كيما يتروحَ الخَلق. ولولا ذلك لماتت الخلائق كَرْباً.

قوله تعالى: { ووَضَعَ الميزانَ } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه العَدْل، قاله الأكثرون. منهم مجاهد والسدي واللغويون. قال الزجّاج: وهذا لأن المعادلة: مُوازَنة الأشياء.

والثاني: أنه الميزان المعروف، ليتناصف الناس في الحقوق، قاله الحسن، وقتادة، والضحاك.

والثالث: أنه القرآن، قاله الحسين بن الفضل.

قوله تعالى: { ألاَّ تَطْغَوْا } ذكر الزجّاج في «أنْ» وجهين.

أحدهما: أنها بمعنى اللام؛ والمعنى: لئلاّ تَطْغَوْا.

والثاني: أنها للتفسير، فتكون «لا» للنهي؛ والمعنى: أي: لاتَطْغَوْا، أي لا تُجاوِزوا العَدْل.

قوله تعالى: { ولا تُخْسِروا الميزان } قال ابن قتيبة: أي لا تنقصوا الوزن.

فأمّا الأنام، ففيهم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم الناس، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: كل ذي رُوح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والفراء.

والثالث: الإنس والجن، قاله الحسن، والزجّاج.

قوله تعالى: { فيها فاكهةٌ } أي، ما يُتفكَّه [به] من ألوان الثمار { والنَّخْلُ ذاتُ الأكمام } والأكمام: الأوعية والغُلُف؛ وقد استوفينا شرح هذا في [حم السجدة: 47].

قوله تعالى: { والحَبُّ } يريد: جميع الحبوب، كالبُر والشعير وغير ذلك. وقرأ ابن عامر: «والحَبَّ» بنصب الباء «ذا العصف» بالألف «والرَّيْحانَ» بنصب النون. وقرأ حمزة، والكسائي إلاّ ابن أبي سُريج، وخلف: «والحَبُّ ذو العَصْفِ والرَّيْحانِ» بخفض النون؛ وقرأ الباقون بضم النون.

وفي «العَصفْ» قولان:

أحدهما: أنه تِبن الزَّرع وورقه الذي تعصفه الرِّياح، قاله ابن عباس. وكذلك قال مجاهد: هو ورق الزَّرع. قال ابن قتيبة: العَصْف: ورق الزَّرع، ثم يصير إذا جفَّ ويبِس ودِيس تبناً.

والثاني: أن العَصْف: المأكول من الحبِّ، حكاه الفراء.

وفي «الرَّيْحان» أربعة أقوال.

أحدها: أنه الرِّزق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي. قال الفراء: الرَّيْحان في كلام العرب: الرِّزق، تقول: خرجنا نطلُب رَيْحان الله، وأنشد الزجاج للَّنمِر بن تَوْلب:

سلامُ الإلهِ ورَيْحانُه ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ

والثاني: أنه خُضرة الزَّرع، رواه الوالبي عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا، سُمِّي رَيْحاناً، لاستراحة النَّفْس بالنظر إِليه.

والثالث: أنه رَيحانكم هذا الذي يُشَمُّ، روى العوفي عن ابن عباس قال: «الرَّيْحان» ما أَنبتت الأرضُ من الرَّيْحان، وهذا مذهب الحسن، والضحاك، وابن زيد.

والرابع: أنه ما [لم] يؤكل من الحَبّ، والعَصْف: المأكول منه، حكاه الفراء.

قوله تعالى: { فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ } فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفراء.

أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بيَّنّا في قوله: { أَلقِيا في جهنَّمَ } [ق:24].

والثاني: أن الذِّكر أريد به الإنسان والجانّ، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها. قال الزجاج: لمّا ذكر اللهُ تعالى في هذه السورة ما يدُلُّ على وحدانيته من خَلْق الإنسان وتعليم البيان وخَلْق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: { فبأيِّ ألاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ } أي: فبأيِّ نِعَم ربِّكما تُكذِّبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلَّها مُنْعَم بها عليكم في دلالتها إيّاكم على وحدانيَّته وفي رزقه إيّاكم ما به قِوامكم. وقال ابن قتيبة: الآلاء: النِّعم، واحدها: أَلاً، مثل: قفاً، وإِلاً، مثل: مِعىً.