التفاسير

< >
عرض

إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ
٢
خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
٣
إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
-الواقعة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إذا وقَعَتِ الواقعةُ } قال أبو سليمان الدمشقي: لمّا قال المشركون: متى هذا الوعد، متى هذا الفتح؟! نزل قوله: { إِذا وَقَعَتِ الواقعةُ }، فالمعنى: يكون إذا وقعت الواقعة. قال المفسرون: والواقعة: القيامة، وكل آتٍ يتوقع، يقال له إذا كان: قد وقع، والمراد بها هاهنا: النَّفخة في الصُّور لقيام الساعة.

{ ليس لِوَقْعَتِها } أي: لظُهورها ومَجيئها { كاذبةٌ } أي: كذب، كقوله: { { لا تَسْمَعُ فيها لاغيةً } [الغاشية: 11] أي: لغواً. قال الزجاج: و«كاذبة» مصدر، كقولك: عافاه الله عافيةً، وكَذَب كاذبةً، فهذه أسماء في موضع المصدر. وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: لا رجعةَ لها ولا ارتداد، قاله قتادة.

والثاني: ليس الإخبار عن وقوعها كذباً، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { خافضةٌ } أي: هي خافضة { رافعةٌ } وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن، وأبو العالية، والحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، واليزيدي في اختياره: «خافضةً رافعةً» بالنصب فيهما. وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: أنها خفضتْ فأسمعتِ القريبَ، ورفعتْ فأسمعتِ البعيدَ، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا يدل على أن المراد بالواقعة: صيحة القيامة.

والثاني: أنها خفضت ناساً، ورفعت آخرين، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال المفسرون: تخفض أقواماً إلى أسفل السافلين في النار، وترفع أقواماً إِلى عِلِّيِّين في الجنة.

قوله تعالى: { إذا رُجَّتِ الأرض رَجّاً } أي: حُرِّكتْ حركةً شديدةً وزلزلتْ، وذلك أنها ترتجُّ حتى ينهدم ما عليها من بناءٍ، ويتفتَّت ما عليها من جبل. وفي ارتجاجها قولان.

أحدهما: أنه لإماتة مَن عليها من الأحياء.

والثاني: لإخراج من في بطنها من الموتى.

قوله تعالى: { وبُسَّتِ الجبالُ بَسّاً } فيه قولان.

أحدهما: فُتِّتت فَتّاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. قال ابن قتيبة: فُتِّتتْ حتى صارت كالدَّقيق والسَّويق المبسوس.

والثاني: لُتَّتْ، قاله قتادة. وقال الزجاج: خُلِطتْ ولُتَّت. قال الشاعر:

لا تَخْبِزوا خَبْزاً وبُسَّا بَسَّا

وفي «الهَباء» أقوال قد ذكرناها في [الفرقان: 23]. وذكر ابن قتيبة أن الهَباء المُنْبَثّ: ما سطع من سنابك الخيل، وهو من «الهَبْوَة» والهَبْوَة: الغُبار. والمعنى: كانت تراباً منتشراً.

قوله تعالى: { وكنتم أزواجاً } أي: أصنافاً { ثلاثةً }.

{ فأصحابُ الميمنة } فيهم ثمانية أقوال.

أحدها: [أنهم] الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت ذُرِّيَّتهُ مِنْ صُلبه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم الذين يُعْطَون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك، والقرظي.

والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفُسهم، أي: مبارَكين، قاله الحسن، والربيع.

والرابع: أنهم الذين أُخذوا من شِقِّ آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.

والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران.

والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي.

والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.

والثامن: أنهم الذين يؤخذ [بهم] ذاتَ اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.

قوله تعالى: { ما أصحابُ المَيْمَنة } قال الفراء: عجَّب نبيَّه صلى الله عليه وسلم منهم؛ والمعنى: أيُّ شيء هُمْ؟! قال الزجاج: وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب، ومجراه من الله عز وجل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم، ومثلُه: { { ما الحاقّة } [الحاقة: 2] { { ما القارعة } [القارعة: 2]؛ قال ابن قتيبة: ومثلُه أن يقول: زَيدٌ ما زَيدٌ! أي: أيُّ رجُل هو! { وأصحابُ المشأمة ما أصحابُ المشأمة } [أي: أصحاب] الشمال، والعرب تسمِّي اليدَ اليسرى: الشُّؤمَى، والجانبَ الأيسر: الأشأم، ومنه قيل: اليُمْن والشُّؤم، فاليُمْن: كأنه [ما] جاء عن اليمين، والشؤم [ما جاء] عن الشمال، ومنه سمِّيت «اليَمَن» و«الشّأم» لأنها عن يمين الكعبة وشمالها. قال المفسرون: أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، ويعطَون كتبهم بأيمانهم؛ وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسير أصحاب الميمنة سواء؛ والمعنى: أيُّ قوم هم؟! ماذا أُعِدَّ لهم من العذاب؟!.

قوله تعالى: { والسابقون السابقون } فيهم خمسة أقوال.

أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أُمَّة، قاله الحسن، وقتادة.

والثاني: أنهم الذين صلّوا [إلى] القِبلتين، قاله ابن سيرين.

والثالث: أهل القرآن، قاله كعب.

والرابع: الأنبياء، قاله محمد بن كعب.

والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سودة.

وفي إِعادة ذِكْرهم قولان.

أحدهما: أن ذلك للتوكيد.

والثاني: أن المعنى: السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ذكرهما الزجاج.

قوله تعالى: { أولئك المقرَّبون } قال أبو سليمان الدمشقي: يعني عند الله في ظل عرشه وجواره.