قوله تعالى: { ما أصحابُ الشِّمال } قد بيَّنّا أنه بمعنى التعجُّب من حالهم؛ والمعنى: ما لهم، وما أُعدَّ لهم من الشَّرِّ؟! ثم بيَّن لهم سوء مُنْقَلَبهم فقال: { في سَموم } قال ابن قتيبة: هو حَرُّ النّار.
قوله تعالى: { وظِلٍّ من يَحْمومٍ } قال ابن عباس: ظِلّ من دخان. قال الفراء: اليَحْموم: الدُّخان الأسود، { لا باردٍ ولا كريمٍ } فوجه الكلام الخفض تبعاً لما قبله، ومثله
{ زَيْتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيَّةٍ } [النور: 35]، وكذلك قوله: { وفاكهةٍ كثيرةٍ، لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ }، ولو رفعتَ ما بعد «لا» كان صواباً، والعرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه فعلاً يُنوي [به] الذم، فتقول: ما هذه الدار بواسعة ولا كريمة، وما هذا بسمين ولا كريم. قال ابن عباس: لا بارد المدخل ولا كريم المنظر. قوله تعالى: { إِنهم كانوا قَبْلَ ذلك } أي: في الدنيا { مُتْرَفِينَ } أي: متنعِّمين في ترك أمر الله، فشغلهم تَرفُهم عن الاعتبار والتعبُّد.
{ وكانوا يُصِرُّونَ } أي: يُقيمون { على الحِنْث } وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشِّرك، قاله ابن عباس، والحسن، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله مجاهد. وعن قتادة كالقولين.
والثالث: أنه اليمين الغموس، قاله الشعبي.
والرابع: الشِّرك والكفر بالبعث، قاله الزجاج.
قوله تعالى: { أَوَ آباؤنا الأوَّلون } قال أبو عبيدة: الواو متحركة لأنها ليست بواو «أو»، إنما هي «وآباؤنا»، فدخلت عليها ألف الاستفهام فتُركتْ مفتوحة. وقرأ أهل المدينة، وابن عامر: «أَوْ آباؤنا» بإسكان الواو.
وقد سبق بيان ما لم يُذْكَر هاهنا [هود:103، الصافات:62، الأنعام:70] إلى قوله: { فشاربونَ شُربَ الهِيمِ } قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة: «شُرْبَ» بضم الشين؛ والباقون بفتحها. قال الفراء: والعرب تقول: شَرِبْتُه شُرْباً، وأكثر أهل نجد يقولون: شَرْباً بالفتح، أنشدني عامَّتهم:
تَكْفيهِ حَزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلمَّ بها من الشِّواءِ ويَكْفِي شَرْبَهُ الغُمَرُ
وزعم الكسائي أن قوماً من بني سعد بن تميم يقولون: «شِرْبَ الهِيم» بالكسر. وقال الزجاج: «الشَّرْب» المصدر، و«الشُّرْب» بالضم: الاسم، قال: وقد قيل: إنه مصدر أيضاً. وفي «الهِيم» قولان.
أحدهما: الإبل العِطاش، رواه ابن أبي طلحة والعوفيُّ عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة. قال ابن قتيبة: هي الإبل يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء، يقال: بعيرٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ.
والثاني: أنها الأرض الرَّملة التي لا تَرْوَى من الماء، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. قال أبو عبيدة: الهِيم: ما لا يَرْوَى من رَمْل أو بعير.
قوله تعالى: { هذا نُزُلُهم } أي: رزقهم. ورواه عباس عن أبي عمرو: «نُزْلُهم» بسكون الزاي، أي: رزقهم وطعامهم. وفى «الدِّين» قولان قد ذكرناهما فى «الفاتحة».