قوله تعالى: { نحن خَلَقْناكم } أي: أوجدناكم ولم تكونوا شيئاً، وأنتم تُقِرُّونَ بهذا { فلولا } أي: فهلاّ { تصدِّقونَ } بالبعث؟!
ثم احتجَّ على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال: { أفرأيتم ما تُمْنونَ } قال الزجاج: أي: ما يكون منكم من المَنِيِّ، يقال: أمنى الرجل يُمْني، ومَنى يَمني، فيجوز على هذا «تَمْنونَ» بفتح التاء إن ثبتت به رواية.
قوله تعالى: { أأنتم تَخْلُقونه أَمْ نحن الخالقون } أي: تخلُقون ما تُمنون بَشَراً؟! وفيه تنبيه على شيئين.
أحدهما: الامتنان، إذا خلق من الماء المَهين بَشَراً سوياً.
والثاني: أن من قَدَر على خَلْق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدَرَ على خَلْق ما غاب عنكم من إعادتكم.
قوله تعالى: { نحن قَدّرْنا بينَكم المَوْتَ } وقرأ ابن كثير: «قَدَرْنا» بتخفيف الدال. وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما: قضينا عليكم بالموت.
والثاني: سوّينا بينكم في الموت { وما نحن بمسبوقين، على أن نبدِّل أمثالكم } قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلُق خَلْقاً غيركم لم يسبقنا سابق، ولا يفوتنا ذلك. وقال ابن قتيبة: لسنا مغلوبين على أن نَستبدل بكم أمثالكم.
قوله تعالى: { ونُنْشِئكم في ما لا تعلمون } وفيه أربعة أقوال.
أحدها: نبدِّل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم، قاله الحسن.
والثاني: ننشئكم في حواصل طير سود تكون بـ «برهوت» كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث: نخلقكم في أيّ خَلْق شئنا، قاله مجاهد.
والرابع: نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي. قال مقاتل: نخلقكم سوى خلقكم في مالا تعلمون من الصور.
قوله تعالى: { ولقد عَلِمْتم النَّشْأة الأُولى } وهي ابتداء خَلقكم من نُطفة وعَلَقة { فلولا تَذَكَّرونَ } أي: فهلاّ تَعتبِرون فتعلموا قُدرة الله فتُقِرُّوا بالبعث.