التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب } يعني: الكتب { فمنهم } يعني: من الذرية { مهتدٍ وكثير منهم فاسقون } فيه قولان.

أحدهما: كافرون، قاله ابن عباس.

والثاني: عاصون، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { ثم قَفَّينا على آثارهم } أي: أَتْبَعْنا على آثار نوح، وإبراهيم، وذريتهما { بعيسى } وكان آخر أنبياء بني إِسرائيل، { وجعلنا في قلوب الذين اتَّبعوه } يعني: الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه { رأفةً } وقد سبق بيانها [النور:2] متوادّين، كما وصف الله تعالى أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: { رحماء بينهم } [الفتح:29].

قوله تعالى: { ورهبانية ابتدعوها } ليس هذا معطوفاً على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا رهبانيةً ابتدعوها، أي: جاؤوا بها من قِبل أنفسهم، وهي غلوُّهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناعِ عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبُّد في الجبال { ما كتبناها عليهم } أي: ما فرضناها عليهم. وفي قوله تعالى: { إلا ابتغاء رضوان الله } قولان.

أحدهما: أنه يرجع إلى قوله تعالى: «ابتدعوها»، وتقديره: ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، ذكره علي بن عيسى، والرماني عن قتادة، وزيد بن أسلم.

والثاني: أنه راجع إلى قوله تعالى: «ما كتبناها» ثم في معنى الكلام قولان. أحدهما: ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوعاً إلا ابتغاء رضوان الله. قال الحسن: تطوَّعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم. وقال الزجاج: لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إِتمامه، كما أن الإنسان إِذا جعل على نفسه صوماً لم يفترض عليه، لزمه أن يتمَّه. قال القاضي أبو يعلى: والابتداع قد يكون بالقول، وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه. وعموم الآية تتضمن الأمرين، فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة، قولاً، أو فعلاً، فعليه رعايتها وإِتمامها.

والثاني: أن المعنى: ما أمرناهم منها إِلا بما يرضي الله عز وجل، لا غير ذلك، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { فما رَعَوْها حق رعايتها } في المشار إليهم قولان.

أحدهما: أنهم الذين ابتدعوا الرهبانية، قاله الجمهور. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم ما رَعَوْها لتبديل دينهم وتغييرهم له، قاله عطية العوفي.

والثاني: لتقصيرهم فيما ألزموه أنفسهم.

والثالث: لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لما بُعث، ذكر القولين الزجاج.

والثاني: أنهم الذين اتبعوا مبتدعي الرهبانية في رهبانيتهم، ما رَعوها بسلوك طريق أوليهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس.

قوله تعالى: { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } فيهم ثلاثة أقوال.

أحدها: الذين آمنوا بمحمد { وكثير منهم فاسقون } وهم الذين لم يؤمنوا به.

والثاني: أن الذين آمنوا: المؤمنون بعيسى، والفاسقون: المشركون.

والثالث: أن الذين آمنوا: مبتدعو الرهبانية، والفاسقون: متبعوهم على غير القانون الصحيح.