التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٤
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٥
ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٦
لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١٧
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٨
ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ
١٩
-المجادلة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ألم ترى إلى الذين تولَّوا قوماً غضب الله عليهم } نزلت في المنافقين الذين تولَّوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين. وقال السدي، ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، وذلك أنه كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع حديثه إلى اليهود، فدخل عليه يوماً، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبّوه، فأنزل الله هذه الآيات. وروى الحاكم أبو عبد الله في «صحيحه» من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حُجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إِنسان ينظر إِليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تُكلِّموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى: { يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون... } الآية.

فأما التفسير، فالذين تولَّوا: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود { ما هم منكم } يعني: المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود { ويحلفون على الكذب } وهو ما ذكرنا في سبب نزولها وقال بعضهم حلفوا أنهم ما سبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تولَّوْا اليهود { وهم يعلمون } أنهم كَذَبة { اتخذوا أَيْمانهم جُنَّةً } أي: سترة يَتَّقُون بها القتل. قال ابن قتيبة: المعنى: استتروا بالحلف فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين، { فصدُّوا عن سبيل الله } فيه قولان.

أحدهما: صَدُّوا النَّاس عن دين الإسلام قاله السدي.

والثاني: صَدُّوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم.

قوله تعالى: { فيحلفون له } قال مقاتل، وقتادة: يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا { ويحسبون أنهم على شيءٍ } من أَيمانهم الكاذبة { ألا إنهم هم الكاذبون } في قولهم وأَيمانهم.

قوله تعالى: { استحوذ عليهم الشيطان } قال أبو عبيدة: غلب عليهم، وحاذهم، وقد بينا هذا في سورة [النساء] عند قوله تعالى: { نستحوذ عليكم } [آية:141] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: { أولئك في الأَذَلِّين } أي: في المغلوبين، فلهم في الدنيا ذُلُّ، وفي الآخرة خِزْيٌ.