التفاسير

< >
عرض

إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ
٢٠
كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢١
لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { كتب الله } أي: قضى الله { لأغلبن أنا ورسلي } وفتح الياء نافع، وابن عامر.

قال المفسرون: من بُعث من الرسل بالحرب، فعاقبة الأمر له، ومن لم يبعث بالحرب، فهو غالب بالحجة { إن الله قويٌّ عزيزٌ } أي: مانع حزبه من أن يذل.

قوله تعالى: { لا تجد قوماً... } الآية. اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.

أحدها: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه يوم أُحد، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال: يا رسول الله دعني أكون في الرَّعلة الأولى، فقال: متِّعنا بنفسك يا أبا بكر، وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن حمنة يوم أُحد، وفي عمرو قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة قتلا عتبة وشيبة يوم بدر، قاله ابن مسعود.

والثاني: أنها نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن أبا قحافة سَبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصكَّه أبو بكر الصديق صَكَّةً شديدةً سقط منها، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو فَعلته" ؟ قال: نعم. قال: فلا تعُد إِليه، فقال أبو بكر: والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته، فنزلت هذه الآية، قاله ابن جريج.

والثالث: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ، وذلك أنه كان جالساً إلى جنب رسول الله، فشرب رسول الله ماءً، فقال عبد الله: يا رسول الله أبق فضلة من شرابك، قال: وما تصنع بها؟ قال: أسقيها أبي، لعل الله سبحانه يطهر قلبه، ففعل فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال: فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها، لعل الله يطهر قلبك، فقال: هلا جئتني ببول أُمِّكَ! فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ائذن لي في قتل أبي، قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفق به، وأحسن إليه" ، فنزلت هذه الآية قاله السدي.

والرابع: أنها نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزم على قصدهم، قاله مقاتل، واختاره الفراء، والزجاج.

وهذه الآية قد بَيَّنتْ أن مودَّة الكفار تقدح في صحة الإيمان، وأن من كان مؤمناً لم يوالِ كافراً وإِن كان أباه أو ابنه أو أحداً من عشيرته.

قوله تعالى: { أولئك } الذين، يعني: الذين لا يوادُّون من حادَّ الله ورسوله { كَتب في قلوبهم الإيمان } وقرأ المفضل عن عاصم «كُتِبَ» برفع الكاف والنون من «الإيمان». وفي معنى «كتب» خمسة أقوال.

أحدها: أثبت في قلوبهم الإيمان، قاله الربيع بن أنس.

والثاني: جعل، قاله مقاتل.

والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان حكاه الماوردي.

والرابع: حكم لهم بالإيمان. وإنما ذكر القلوب، لأنها موضع الإيمان، ذكره الثعلبي.

والخامس: جمع في قلوبهم الإيمان حتى استكملوه، قاله الواحدي.

قوله تعالى: { وأيَّدهم } أي: قوَّاهم { بروحٍ منه } وفي المراد «بالروح» هاهنا خمسة أقوال:

أحدها: أنه النصر، قاله ابن عباس، والحسن. فعلى هذا سمي النصر روحاً، لأن أمرهم يحيا به.

والثاني: الإيمان، قاله السدي.

والثالث: القرآن، قاله الربيع.

والرابع: الرحمة، قاله مقاتل.

والخامس: جبريل عليه السلام أيَّدهم به يوم بدر، ذكره الماوردي. فأما { حِزْب الله } فقال الزجاج: هم الداخلون في الجمع الذين اصطفاهم وارتضاهم، و«ألا» كلمة تنبيه وتوكيد للقصة.